قال عمرو بن أمية قال أبو سفيان: وما علمنا أنه لم يأت بعمرو خير، ولم يستطع أن يخبرهم بمكاننا كان بآخر رمق ومات، وشغلوا عن طلبنا بصاحبهم يحملونه، فمكثنا ليلتين في مكاننا، ثم خرجنا، فقال صاحبي: يا عمرو بن أمية، هل لك في خبيب بن عدي ننزله؟ فقلت له: أين هو؟ قال: هو ذاك مصلوب حوله الحرس، فقلت: أمهلني وتنح عني فإن خشيت شيئا فانح إلى بعيرك فأقعد عليه وأت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر، ودعني فإني عالم بالمدينة، ثم اشتددت عليه حتى حللته فحملته على ظهري فما مشيت به إلا عشرين ذراعا حتى استيقظوا فخرجوا في طلب أثري، فطرحت الخشبة، فما أنسي وقعها دب، يعني صوتها، ثم أهلت عليه من التراب برجلي فأخذت بهم طريق الصفراء فأعبوا فرجعوا وكنت لا أدرك مع بقاء نفس، فأنطلق صاحبي إلى البعير فركبه، وأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، وأقبلت حتى أشرفت على الغليل:
غليل ضجنان فدخلت في غار فيه معي قوس وأسهم وخنجر، فبينا أنا فيه إذ أقبل رجل من بني بكر من بني الدئل أعور طويل يسوق غنما ومعزى، فدخل على الغار، فقال: من الرجل؟ فقلت: من بني بكر، فقال: وأنا من بني بكر، ثم اتكأ، فرفع عقيرته يتغنى يقول:
فلست بمسلم ما دمت حيا ولست أدين دين المسلمينا فقلت في نفسي: والله إني لأرجو أن أقتلك، فلما نام قمت إليه، فقتلته شر قتلة قتلها أحد قط، ثم خرجت حتى هبطت، فلما أسهلت في الطريق إذا رجلان بعثتهما قريش يتجسسان الأخبار، فقلت: استأسرا فأبى أحدهما فرميته فقتلته، فلما رأى ذلك الآخر استأسر فشددته وثاقا، ثم أقبلت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قدمت المدينة رآني صبيان وهم يلعبون وسمعوا أشياخهم يقولون: هذا عمرو، فاشتد الصبيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبروه، وأتيته بالرجل قد ربطت إبهاميه بوتر قوسي، فلقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يضحك، ثم دعا لي بخير، وكان قدوم سلمة قبل قدوم عمرو بثلاثة أيام.