يطعمني ربي ويسقيني، ولنفسه ظل لا يكون إلا في النهار، ولا يجوز الأكل الحقيقي في النهار بلا شك فثبت ما قلناه.
وأجيب بأنه لو أكل من طعام الجنة لم يفطر أو بأن طعام الله - تعالى - لا يفطر بدليل القاضي وقد علل بقوله: إنما أطعمه الله وسقاه وقيل: يعان على الصوم ويقوى عليه فكأنه أطعم أو يخلق له الله من الشبع الذي كالطاعم والشارب.
وقيل: كان الإطعام والإسقاء حقيقة في المنام وقال الإمام: الوصال قربة في حقه صلى الله عليه وسلم، وإنما يثبت خصوصية الوصال للرسول صلى الله عليه وسلم إذا قلنا بأنه حرام على الأمة. وقد نص الشافعي - رحمه الله - على كراهيته، وفي ذلك وجهان، قيل: كراهة تحريم، وقيل: كراهة تنزيه، أصحهما أنه كراهة تحريم في النهي عنه. قال جمهور العلماء: قاله النووي واستدل به على تحريم الوصال بما خرجه البخاري من حديث أبي حازم، عن يزيد بن الهاد، عن عبد الله بن حباب، عن أبي سعيد الخدري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تواصلوا فأيكم إذا كان يواصل فليواصل حتى السحر. قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله؟ الله قال:
لست كهيئتكم إني أبيت مطعم يطعمني وساق يسقيني (1).
والنهي يقتضي التحريم، وقال القاضي عياض: قيل: النهي عنه رحمه وتخفيف فمن قدر فلا حرج، وقد واصل جماعة من السلف لأيام، وأجازه ابن وهب وأحمد وإسحاق إلى السحر ثم حكى عن الأكثرين كراهته.
وقد كانت أخت أبي سعيد تواصل وهي صحابية، وكان عبد الله بن الزبير يواصل سبعة أيام، فإذا كان الليلة السابعة دعى بإناء من سمن فشربه، ثم يأتي بثريدة فيها عرقان ويؤتي الناس بالجنان فيقول: هذا من خالص مالي، وهذا من بيت مالكم، وكان ابن وضاح يواصل أربعة أيام.
وقال عطاء وأبي وغيرهم من أصحابنا: هو من الخصائص التي أبيحت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وحرمت على الأمة واحتج لمن أباحه بقوله في بعض طرق مسلم: نهاهم عن الوصال - رحمه الله -.