الوجه، ولا شك أن بني العباس كان السواد من شعارهم، أخذوا ذلك من دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح وعلى رأسه عمامة سوداء، فأخذوا بذلك وجعلوه شعارهم في الأعياد والجمع والمحافل.
وكذلك كان جندهم لا بد أن يكون على أحدهم شئ من السواد، ومن ذلك الشربوش الذي يلبسه الأمراء إذا خلع عليهم. وكذلك دخل عبد الله بن علي دمشق يوم دخلها وعليه السواد، فجعل النساء والغلمان يعجبون من لباسه، وكان دخوله من باب كيسان. وقد خطب الناس يوم الجمعة وصلى بهم وعليه السواد. وقد روى ابن عساكر عن بعض الخراسانية قال: لما صلى عبد الله بن علي بالناس يوم الجمعة صلى إلى جانبي رجل فقال: الله أكبر، سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك، انظروا إلى عبد الله بن علي ما أقبح وجهه وأشنع سواده؟! وشعارهم إلى يومك هذا كما تراه على الخطباء يوم الجمعة والأعياد.
استقرار أبي العباس السفاح واستقلاله بالخلافة وما اعتمده في أيامه من السيرة الحسنة قد تقدم أنه أول ما بويع به بالخلافة بالكوفة يوم الجمعة الثاني عشر من ربيع الآخر، وقيل الأول من هذه السنة، سنة ثنتين وثلاثين ومائة، ثم جرد الجيوش إلى مروان فطردوه عن المملكة وأجلوه عنها، وما زالوا خلفه حتى قتلوه ببوصير من بلاد الصعيد، بأرض مصر، في العشر الأخير من ذي الحجة من هذه السنة على ما تقدم بيانه، وحينئذ استقل السفاح بالخلافة واستقرت يده على بلاد العراق وخراسان والحجاز والشام والديار المصرية، خلا بلاد الأندلس، فإنه لم يحكم عليها ولا وصل سلطانه إليها، وذلك أن بعض من دخلها من بني أمية استحوذ عليها وملكها كما سيأتي بيانه. وقد خرج على السفاح في هذه السنة طوائف، فمنهم أهل قنسرين بعد ما بايعوه على يدي عمه عبد الله بن علي وأقر عليهم أميرهم مجزأة بن الكوثر بن زفر بن الحارث الكلابي، وكان من أصحاب مروان وأمرائه، فخلع السفاح ولبس البياض، وحمل أهل البلد على ذلك فوافقوه، وكان السفاح يومئذ بالحيرة، وعبد الله بن علي مشغول بالبلقاء يقاتل بها حبيب بن مرة المزي ومن وافقه من أهل البلقاء والبثنية وحوران على خلع السفاح، فلما بلغه عن أهل قنسرين ما فعلوا صالح حبيب بن مرة وسار نحو قنسرين، فلما اجتاز بدمشق - وكان بها أهله وثقله - استخلف عليها أبا غانم عبد الحميد بن ربعي الكناني (1) في أربعة آلاف، فلما جاوز البلد وانتهى إلى حمص، نهض أهل دمشق مع رجل يقال له عثمان بن عبد الاعلى بن سراقة فخلعوا السفاح وبيضوا وقتلوا الأمير أبا غانم وقتلوا جماعة من أصحابه وانتهبوا ثقل عبد الله بن علي وحواصله، ولم يتعرضوا لأهله. وتفاقم الامر على عبد الله وذلك