ووضعوها مواضعها، وأعطوها أهلها، وخرجوا خماصا منها. ثم وثب بنو حرب ومروان فابتزوها لأنفسهم، وتداولوها. فجاروا فيها واستأثروا بها، وظلموا أهلها، فأملى الله لهم حينا (فلما آسفونا انتقمنا منهم) فانتزع منهم ما بأيديهم بأيدينا، ورد الله علينا حقنا، وتدارك بنا أمتنا، وتولى أمرنا والقيام بنصرنا ليمن بنا على الذين استضعفوا في الأرض، وختم بنا كما افتتح بنا، وإني لأرجو [أن] لا يأتيكم الجور من حيث جاءكم الخير، ولا الفساد من حيث جاءكم الصلاح، وما توفيقنا أهل البيت إلا بالله. يا أهل الكوفة أنتم محل محبتنا ومنزل مودتنا، وأنتم أسعد الناس بنا وأكرمهم علينا، وقد زدتكم في أعطياتكم مائة درهم، فاستعدوا فأنا السفاح الهائج (1) والثائر المبير. وكان به وعك فاشتد عليه حتى جلس على المنبر ونهض عمه داود فقال: الحمد لله شكرا الذي أهلك عدونا وأصار إلينا ميراثنا من بيتنا (2). أيها الناس: الآن انقشعت حنادس الظلمات وانكشف غطاؤها، وأشرقت أرضها وسماؤها، فطلعت شمس الخلافة من مطلعها، ورجع الحق إلى نصابه، إلى أهل نبيكم أهل الرأفة والرحمة والعطف عليكم، أيها الناس إنا والله ما خرجنا لهذا الامر لنكنز لجينا ولا عقيانا ولا لنحفر نهرا ولا لنبني قصرا ولا لنجمع ذهبا ولا فضة، وإنما أخرجتنا الانفة من انتزاع حقنا والغضب لبني عمنا، ولسوء سيرة بني أمية فيكم، واستذلالهم لكم، واستئثارهم بفيئكم وصدقاتكم، فلكم علينا ذمة الله وذمة رسوله وذمة العباس، أن نحكم فيكم بما أنزل الله، ونعمل بكتاب الله، ونسير في العامة والخاصة بسيرة رسول الله، تبا تبا لبني أمية وبني مروان، آثروا العاجلة على الآجلة، والدار الفانية على الدار الباقية، فركبوا الآثام وظلموا الأنام، وارتكبوا المحارم وغشوا الجرائم، وجاروا في سيرتهم في العباد، وسنتهم في البلاد التي بها استلذوا تسربل الأوزار، وتجلبب الآصار، ومرحوا في أعنة المعاصي، وركضوا في ميادين الغي، جهلا منهم باستدراج الله، وعميا عن أخذ الله، وأمنا لمكر الله، فأتاهم بأس الله بياتا وهم نائمون، فأصبحوا أحاديث ومزقوا كل ممزق، فبعدا للقوم الضالمين. وأدان الله من مروان، وقد غره بالله الغرور، أرسل عدو الله في عنانه حتى عثر جواده في فضل خطامه، أظن عدو الله أن لن يقدر عليه أحد؟ فنادى حزبه وجمع جنده ورمى بكتائبه فوجد أمامه ووراءه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته من مكر الله وبأسه ونقمته ما أمات باطله، ومحق ضلاله، وأحل دائرة السوء به، وأحاط به خطيئته، ورد إلينا حقنا وآوانا. أيها الناس! إن أمير المؤمنين نصره الله نصرا عزيزا، إنما غاد إلى المنبر بعد صلاة الجمعة لأنه كره أن يخلط بكلام الجمعة غيره، وإنما قطعه عن استتمام الكلام شدة الوعك، فادعوا الله لأمير المؤمنين بالعافية، فقد أبدلكم الله بمروان عدو الرحمن، وخليفة الشيطان، المتبع للسفلة الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون المتوكل على الله المقتدي بالأبرار الأخيار الذين أصلحوا الأرض بعد فسادها بمعالم الهدى، ومناهج التقى. قال فعج الناس له
(٤٥)