اللحية، ضخم الهامة، ربعة، ولم يكن يخضب. ولاه هشام نيابة أذربيجان وأرمينية والجزيرة، في سنة أربع عشرة ومائة، ففتح بلادا كثيرة وحصونا متعددة في سنين كثيرة، وكان لا يفارق الغزو في سبيل الله، وقاتل طوائف من الناس الكفار ومن الترك والخزر واللان وغيرهم، فكسرهم وقهرهم، وقد كان شجاعا بطلا مقداما حازم الرأي، لولا أن جنده خذلوه بتقدير الله عز وجل لما له في ذلك من حكمة سلب الخلافة لشجاعته وصرامته. ولكن من يخذل الله يخذل، ومن يهن الله فماله من مكرم.
قال الزبير بن بكار: عن عمه مصعب بن عبد الله: كان بنو أمية يرون أنه تذهب منهم الخلافة إذا وليها من أمه أمة، فلما وليها مروان هذا أخذت منهم في سنه ثنتين وثلاثين ومائة. وقد قال الحافظ ابن عساكر: أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي الحسين، أخبرنا سهل بن بشر، أنبأ الخليل بن هبة الله بن الخليل، أنبأ عبد الوهاب الكلابي: حدثنا أبو الجهم أحمد بن الحسين، أنبأ العباس بن الوليد بن صبح، ثنا عباس بن يحيى أبو الحارث، حدثني الهيثم بن حميد، حدثني راشد بن داود، عن أسماء عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال الخلافة في بني أمية يتلقفونها تلقف الغلمان الكرة، فإذا خرجت من أيديهم فلا خير في عيش ". هكذا أورده ابن عساكر وهو منكر جدا، وقد سأل الرشيد أبا بكر بن عياش: من خير الخلفاء نحن أو بنو أمية؟ فقال: هم كانوا أنفع للناس، وأنتم أقوم للصلاة، فأعطاه ستة آلاف. قالوا وقد كان مروان هذا كثير المروءة كثير العجب، يعجبه اللهو والطرب، ولكنه كان يشتغل عن ذلك بالحرب.
قال ابن عساكر: قرأت بخط أبي الحسين علي بن مقلد بن نصر بن منقذ بن الأمير في مجموع له: كتب مروان بن محمد إلى جارية له تركها بالرملة عند ذهابه إلى مصر منهزما:
وما زال يدعوني إلى الصبر ما أرى * فآبى ويدنيني الذي لك في صدري وكان عزيزا أن تبيتي وبيننا * حجاب فقد أمسيت مني على عشر وأنكاهما والله للقلب فاعلمي * إذا زدت مثليها فصرت على شهر وأعظم من هذين والله أنني * أخاف بأن لا نلتقي آخر الدهر سأبكيك لا مستبقيا فيض عبرة * ولا طالبا بالصبر عاقبة الصبر وقال بعضهم: اجتاز مروان وهو هارب براهب فاطلع عليه الراهب فسلم عليه فقال له:
يا راهب هل عندك علم بالزمان؟ قال: نعم! عندي من تلونه ألوان. قال: هل تبلغ الدنيا من الانسان أن تجعله مملوكا بعد أن كان مالكا؟ قال: نعم! قال: فكيف؟ قال: بحبه لها وحرصه على نيل شهواتها وتضييع الحزم وترك انتهاز الفرص. فإن كنت تحبها فإن عبدها من أحبها، قال: فما السبيل إلى العتق؟
قال: ببغضها والتجافي عنها. قال: هذا ما لا يكون. قال الراهب: أما إنه سيكون، فبادر بالهرب منها قبل أن تسلبها. قال: هل تعرفني؟ قال: نعم! أنت ملك العرب مروان، تقتل في بلاد السودان: