يديه عجيفا وطائفة من الأمراء ومعهم خلق من الجيش إعانة لأهل زبطرة، فأسرعوا السير فوجدوا ملك الروم قد فعل ما فعل وانشمر راجعا إلى بلاده، وتفارط الحال ولم يمكن الاستدراك فيه، فرجعوا إلى الخليفة لاعلامه بما وقع من الامر، فقال للأمراء: أي بلاد الروم أمنع؟ قالوا: عمورية لم يعرض لها أحد منذ كان الاسلام، وهي أشرف عندهم من القسطنطينية.
فتح عمورية على يد المعتصم لما تفرغ المعتصم من بابك وقتله وأخذ بلاده استدعى بالجيوش إلى بين يديه وتجهز جهازا لم يجهزه أحد كان قبله من الخلفاء، وأخذ معه من آلات الحرب والاحمال والجمال والقرب والدواب والنفط والخيل والبغال شيئا لم يسمع بمثله، وسار إلى عمورية في جحافل أمثال الجبال، وبعث الأفشين حيدر بن كاوس من ناحية سروج، وعبى جيوشه تعبئة لم يسمع بمثلها، وقدم بين يديه الأمراء المعروفين بالحرب، فانتهى في سيره إلى نهر اللسى (1) وهو قريب من طرسوس، وذلك في رجب من هذه السنة. وقد ركب ملك الروم في جيشه فقصد نحو المعتصم فتقاربا حتى كان بين الجيشين نحو من أربعة فراسخ، ودخل الأفشين بلاد الروم من ناحية أخرى، فجاؤوا في أثره وضاق ذرعه بسبب ذلك إن هو ناجز الخليفة جاءه الأفشين من خلفه فالتقيا عليه فيهلك، وإن اشتغل بأحدهما وترك الآخر أخذه من خلفه. ثم اقترب منه الأفشين فسار إليه ملك الروم في شرذمة من جيشه واستخلف على بقية جيشه قريبا له فالتقيا هو والأفشين في يوم الخميس لخمس بقين من شعبان منها، فثبت الأفشين في ثاني الحال وقتل من الروم خلقا وجرح آخرين، وتغلب على ملك الروم وبلغه أن بقية الجيش قد شردوا عن قرابته وذهبوا عنه وتفرقوا عليه فأسرع الأوبة فإذا نظام الجيش قد انحل، فغضب على قرابته وضرب عنقه وجاءت الاخبار بذلك كله إلى المعتصم فسره ذلك وركب من فوره وجاء إلى أنقرة ووافاه الأفشين بمن معه إلى هناك، فوجدوا أهلها قد هربوا منه فتقووا منها بما وجدوا من طعام وغيره، ثم فرق المعتصم جيشه ثلاث فرق فالميمنة عليها الأفشين، والميسرة عليها اشناس، والمعتصم في القلب، وبين كل عسكرين فرسخان، وأمر كل أمير من الأفشين وأشناس أن يجعل لجيشه ميمنة وميسرة وقلبا ومقدمة وساقة، وأنهم مهما مروا عليه من القرى حرقوه وخربوه وأسروا وغنموا، وسار بهم كذلك قاصدا إلى عمورية، وكان بينها وبين مدينة أنقرة سبع مراحل، فأول من وصل إليها من الجيش أشناس أمير الميسرة ضحوة يوم الخميس لخمس خلون من رمضان من هذه السنة، فدار حولها دورة ثم نزل على ميلين منها، ثم قدم المعتصم صبيحة يوم الجمعة بعده، فدار حولها دورة ثم نزل قريبا منها، وقد تحصن أهلها تحصنا شديدا وملأوا أبراجها بالرجال والسلاح، وهي مدينة عظيمة كبيرة جدا ذات سور