فقال: ممن الرجل؟ فقلت: رجل من المسلمين. فقال ثكلتك أمك ممن أنت؟ فقلت: من الأنبار.
فقال: ما عملك على أن دعوتني باسمي؟ قال: فخطر ببالي شئ لم يخطر قبل ذلك، فقلت: أنا أدعو الله باسمه يا الله، أفلا أدعوك باسمك؟ وهذا الله سبحانه قد دعا أحب خلقه إليه بأسمائهم: يا آدم، يا نوح، يا هود، يا صالح، يا إبراهيم، يا موسى، يا عيسى، يا محمد، وكنى أبغض خلقه إليه فقال:
تبت يدا أبي لهب. فقال الرشيد: أخرجوه أخرجوه.
وقال له ابن السماك يوما: إنك تموت وحدك وتدخل القبر وحدك، وتبعث منه وحدك، فاحذر المقام بين يدي الله عز وجل، والوقوف بين الجنة والنار، حين يؤخذ بالكظم وتزل القدم، ويقع الندم، فلا توبة تقبل، ولا عثرة تقال، ولا يقبل فداء بمال. فجعل الرشيد يبكي حتى علا صوته فقال يحيى بن خالد له: يا بن السماك! لقد شققت على أمير المؤمنين الليلة. فقام فخرج من عنده وهو يبكي. وقال له الفضيل بن عياض - في كلام كثير ليلة وعظه بمكة -: يا صبيح الوجه إنك مسؤول عن هؤلاء كلهم، وقد قال تعالى (وتقطعت بهم الأسباب) [البقرة: 166] قال حدثنا ليث عن مجاهد:
الوصلات التي كانت بينهم في الدنيا. فبكى حتى جعل يشهق. وقال الفضيل: استدعاني الرشيد يوما وقد زخرف منازله وأكثر الطعام والشراب واللذات فيها، ثم استدعى أبا العتاهية فقال له: صف لنا ما نحن فيه من العيش والنعم فقال:
عش ما بدا لك سالما * في ظل شاهقة القصور تسعى عليك بما اشتهيت * لدى الرواح إلى البكور فإذا النفوس تقعقعت * عن ضيق حشرجة الصدور فهناك تعلم موقنا * ما كنت إلا في غرور قال: فبكى الرشيد بكاء كثيرا شديدا. فقال له الفضل بن يحيى: دعا أمير المؤمنين تسره فأحزنته؟ فقال له الرشيد: دعه فإنه رآنا في عمى فكره أن يزيدنا عمى. ومن وجه آخر أن الرشيد قال لأبي العتاهية: عظني بأبيات من الشعر وأوجز فقال:
لا تأمن الموت في طرف ولا نفس * ولو تمتعت بالحجاب والحرس واعلم بأن سهام الموت صائبة * لكل مدرع منها ومترس ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها * إن السفينة لا تجري على اليبس قال: فخر الرشيد مغشيا عليه. وقد حبس الرشيد مرة أبا العتاهية وأرصد عليه من يأتيه بما يقول، فكتب مرة على جدار الحبس:
أما والله إن الظلم شوم (1) * وما زال المسئ هو الظلوم