إلى الله أشكو بخلها وسماحتي * لها عسل مني وتبذل علقما فردي مصاب القلب أنت قتلته * ولا تتركيه هائم القلب مغرما (1) قال: فسمعت ما لا صبر لي عنه ورجوت أن تعيده فقامت وانصرفت، فنزلت وانطلقت وراءها وسألتها أن تعيده فقالت: إن علي خراجا كل يوم درهمين، فأعطيتها درهمين فأعادته فحفظته وسلكته يومي ذلك، فلما أصبحت أنسيته فأقبلت السوداء فسألتها أن تعيده فلم تفعل إلا بدرهمين، ثم قالت:
كأنك تستكثر أربعة دراهم، كأني بك وقد أخذت عليه أربعة آلاف دينار. قال فغنيته ليلة للرشيد فأعطاني ألف دينار، ثم استعادنيه ثلاث مرات أخرى وأعطاني ثلاثة آلاف دينار، فتبسمت فقال: مم تبسمت؟ فذكرت له القصة فضحك وألقى إلي كيسا آخر فيه ألف دينار. وقال: لا أكذب السوداء.
وحكى عنه أيضا قال: أصبحت يوما بالمدينة وليس معي إلا ثلاثة دراهم، فإذا جارية على رقبتها جرة تريد الركي (2) وهي تسعى وتترنم بصوت شجي:
شكونا إلى أحبابنا طول ليلنا * فقالوا لنا ما أقصر الليل عندنا وذاك لان النوم يغشى عيونهم * سريعا ولا يغشى (3) لنا النوم أعينا إذا ما دنا الليل المضر بذي الهوى * جزعنا وهم يستبشرون إذا دنا فلو أنهم كانوا يلاقون مثلما * نلاقي لكانوا في المضاجع مثلنا قال: فاستعدته منها وأعطيتها الدراهم الثلاثة فقالت: لتأخذن بدلها ألف دينار، وألف دينار وألف دينار. فأعطاني الرشيد ثلاثة آلاف دينار في ليلة على ذلك الصوت. وفيها توفي:
بكر بن النطاح أبو وائل الحنفي البصري الشاعر المشهور، نزل بغداد زمن الرشيد، وكان يخالط أبا العتاهية.
قال أبو عفان: أشعر أهل العدل من المحدثين أربعة، أولهم بكر بن النطاح. وقال المبرد: سمعت الحسن بن رجاء يقول اجتمع جماعة من الشعراء ومعهم بكر بن النطاح يتناشدون، فلما فرغوا من طوالهم أنشد بكر بن النطاح لنفسه:
ما ضرها لو كتبت بالرضى * فجف جفن العين أو أغمضا شفاعة مردودة عندها * في عاشق يود لو قد قضى يا نفس صبرا واعلمي أنما * يأمل منها مثلما قد مضى