فنثر عليهن. وكان مبلغ ما حصل لكل واحدة منهن ثلاثة آلاف درهم في ذلك اليوم. رواه ابن عساكر أيضا.
وروي أنه اشترى جارية من المدينة فأعجب بها جدا فأمر بإحضار مواليها ومن يلوذ بهم ليقضي حوائجهم، فقدموا عليه بثمانين نفسا فأمر الحاجب - وهو الفضل بن الربيع - أن يتلقاهم ويكتب حوائجهم، فكان فيهم رجل قد أقام بالمدينة لأنه كان يهوى تلك الجارية، فبعثت إليه فأتى به فقال له الفضل: ما حاجتك؟ قال: حاجتي أن يجلسني أمير المؤمنين مع فلانة فأشرب ثلاثة أرطال من خمر، وتغنيني ثلاثة أصوات. فقال: أمجنون أنت؟ فقال: لا ولكن أعرض حاجتي هذه على أمير المؤمنين.
فذكر للرشيد ذلك فأمر بإحضاره وأن تجلس معه الجارية بحيث ينظر إليهما ولا يريانه فجلست على كرسي والخدام بين يديها، وأجلس على كرسي فشرب رطلا وقال لها غنني:
خليلي عوجا بارك الله فيكما * وإن لم تكن هند بأرضكما قصدا وقولا لها ليس الضلال أجازنا * ولكننا جزنا لنلقاكم عمدا غدا يكثر البادون منا ومنكم * وتزداد داري من دياركم بعدا قال: فغنته ثم استعجله الخدم فشرب رطلا آخر، وقال: غنني جعلت فداك:
تكلم منا في الوجوه عيوننا * فنحن سكوت والهوى يتكلم ونغضب أحيانا ونرضى بطرفنا * وذلك فيما بيننا ليس يعلم قال: فغنته: ثم شرب رطلا ثالثا وقال: غنني جعلني الله فداك:
أحسن ما كنا تفرقنا * وخاننا الدهر وما خنا فليت ذا الدهر لنا مرة * عاد لنا يوما كما كنا قال: ثم قام الشاب إلى درجة هناك ثم ألقى نفسه من أعلاها على أم رأسه فمات. فقال الرشيد: عجل الفتى، والله لو لم يعجل لوهبتها له.
وفضائل الرشيد ومكارمه كثيرة جدا. قد ذكر الأئمة من ذلك شيئا كثيرا فذكرنا منه أنموذجا صالحا. وقد كان الفضيل بن عياض يقول: ليس موت أحد أعز علينا من موت الرشيد، لما أتخوف بعده من الحوادث، وإني لأدعو الله أن يزيد في عمره من عمري قالوا: فلما مات الرشيد وظهرت تلك الفتن والحوادث والاختلافات، وظهر القول بخلق القرآن، فعرفنا ما كان تخوفه الفضيل من ذلك.
وقد تقدمت رؤياه لذلك الكف وتلك التربة الحمراء وقائل يقول: هذه تربة أمير المؤمنين. فكان موتا بطوس. وقد روى ابن عساكر أن الرشيد رأى في منامه قائلا يقول: كأني بهذا القصر قد باد أهله.
الشعر إلى آخره.