الرشيد - أن يقوما إليه لينزلاه عن دابته، فابتدراه فأنزلاه، فأقبل صالح على نفسه فقال: لقد خبت وخسرت إن أنا داهنت ولم اصدع بالحق في هذا اليوم، وفي هذا المقام. ثم جلس إلى المهدي فوعظه موعظة بليغة حتى أبكاه، ثم قال له: اعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خصم من خالفه في أمته، ومن كان محمد خصمه كان الله خصمه، فأعد لمخاصمة الله ومخاصمة رسوله حججا تضمن لك النجاة، وإلا فاستسلم للهلكة، واعلم أن أبطا الصرعى نهضة صريع هوى بدعته، وأعلم أن الله قاهر فوق عباده، وأن أثبت الناس قدما آخذهم بكتاب الله وسنة رسوله، وكلام طويل. فبكى المهدي وأمر بكتابة ذلك الكلام في دواوينه.
وفيها توفي عبد الملك بن محمد بن محمد بن أبي بكر عمرو بن حزم قدم قاضيا بالعراق.
وفرج بن فضالة التنوخي الحمصي، كان على بيت المال ببغداد في خلافة الرشيد، فتوفي في هذه السنة، وكان مولده سنة ثمان وثمانين فمات وله ثمان وثمانون سنة. ومن مناقبه أن المنصور دخل يوما إلى قصر الذهب فقام الناس إلا فرج بن فضالة فقال له وقد غضب عليه: لم لم تقم؟ قال: خفت أن يسألني الله عن ذلك ويسألك لم رضيت بذلك، وقد كره رسول الله صلى الله عليه وسلم القيام للناس. قال: فبكى المنصور وقربه وقضى حوائجه. والمسيب بن زهير بن عمرو أبو سلمة الضبي، كان والي الشرطة ببغداد في أيام المنصور والمهدي والرشيد، وولي خراسان مرة للمهدي. عاش ستا وتسعين سنة.
والوضاح بن عبد الله أبو عوانة السري مولاهم، كان من أئمة المشايخ في الرواية. توفي في هذه السنة وقد جاوز الثمانين.
ثم دخلت سنة سبع وسبعين ومائة فيها عزل الرشيد جعفر البرمكي عن مصر وولى عليها إسحاق بن سليمان، وعزل حمزة بن مالك عن خراسان وولى عليها الفضل بن يحيى البرمكي مضافا إلى ما كان بيده من الأعمال بالري وسجستان وغير ذلك. وذكر الواقدي أنه أصاب الناس ريح شديدة وظلمة في أواخر المحرم من هذه السنة، وكذلك في أواخر صفر منها. وفيها حج بالناس الرشيد وفيها توفي (شريك بن عبد الله) القاضي الكوفي النخعي، سمع أبا إسحاق وغير واحد، وكان مشكورا في حكمه وتنفيذ الاحكام، وكان لا يجلس للحكم حتى يتغدى ثم يخرج ورقة من خفه فينظر فيها ثم يأمر بتقديم الخصومة إليه، فحرص بعض أصحابه على قراءة ما في تلك الورقة فإذا فيها يا شريك بن عبد الله أذكر الصراط وحدته يا شريك بن عبد الله أذكر الموقف بين يدي الله عز وجل. كانت وفاته يوم السبت مستهل ذي القعدة منها. وفيها توفي عبد الواحد بن زيد، ومحمد بن مسلم وموسى بن أعين.