معاوية، استصغر يوم أحد، وأبو يوسف كان أكبر أصحاب أبي حنيفة، روى الحديث عن الأعمش وهمام بن عروة ومحمد بن إسحاق ويحيى بن سعيد وغيرهم. وعنه محمد بن الحسن وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين. قال علي بن الجعد: سمعته يقول: توفي أبي وأنا صغير فأسلمتني أمي إلى قصار فكنت أمر على حلقة أبي حنيفة فأجلس فيها، فكانت أمي تتبعني فتأخذ بيدي من الحلقة وتذهب بي إلى القصار، ثم كنت أخالفها في ذلك وأذهب إلى أبي حنيفة، فلما طال ذلك عليها قالت لأبي حنيفة:
إن هذا صبي يتيم ليس له شئ إلا ما أطعمه من مغزلي، وإنك قد أفسدته علي. فقال لها: اسكتي يا رعناء، ها هوذا يتعلم العلم وسيأكل الفالوذج بدهن الفستق في صحون الفيروزج فقالت له: إنك شيخ قد خرفت. قال أبو يوسف: فلما وليت القضاء - وكان أول من ولاه القضاء الهادي وهو أول من لقب قاضي القضاة، وكان يقال له: قاضي قضاة الدنيا، لأنه كان يستنيب في سائر الأقاليم التي يحكم فيها الخليفة -. قال أبو يوسف: فبينا أنا ذات يوم عند الرشيد إذ أتي بفالوذج في صحن فيروزج فقال لي: كل من هذا، فإنه لا يصنع لنا في كل وقت. وقلت: وما هذا يا أمير المؤمنين؟ فقال: هذا الفالوذج. قال فتبسمت فقال: ما لك تتبسم؟ فقلت: لا شئ أبقى الله أمير المؤمنين. فقال:
لتخبرني. فقصصت عليه القصة فقال: إن العلم ينفع ويرفع في الدنيا والآخرة. ثم قال: رحم الله أبا حنيفة، فلقد كان ينظر بعين عقله ما لا ينظر بعين رأسه. وكان أبو حنيفة يقول عن أبي يوسف: إنه أعلم أصحابه. وقال المزني: كان أبو يوسف أتبعهم للحديث. وقال ابن المديني: كان صدوقا. وقال ابن معين: كان ثقة. وقال أبو زرعة: كان سليما من التجهم. وقال بشار الخفاف: سمعت أبا يوسف يقول: من قال القرآن مخلوق فحرام كلامه، وفرض مباينته، ولا يجوز السلام ولا رده عليه. ومن كلامه الذي ينبغي كتابته بماء الذهب قوله: من طلب المال بالكيما (1) أفلس، ومن تتبع غرائب الحديث كذب، ومن طلب العلم بالكلام تزندق. ولما تناظر هو ومالك بالمدينة بحضرة الرشيد في مسألة الصاع وزكاة الخضراوات احتج مالك بما استدعى به من تلك الصيعان المنقولة عن آبائهم وأسلافهم، وبأنه لم يكن الخضراوات يخرج فيها شئ في زمن الخلفاء الراشدين. فقال أبو يوسف: لو رأى صاحبي ما رأيت لرجع كما رجعت. وهذا إنصاف منه.
وقد كان يحضر في مجلس حكمه العلماء على طبقاتهم، حتى إن أحمد بن حنبل كان شابا وكان