وإنما لقب بالمهدي رجاء أن يكون الموعود به في الأحاديث فلم يكن به، وإن اشتركا في الاسم فقد افترقا في الفعل، ذاك يأتي في آخر الزمان عند فساد الدنيا فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا وظلما.
وقد قيل إن في أيامه ينزل عيسى بن مريم بدمشق كما سيأتي ذلك في أحاديث الفتن والملاحم. وقد جاء في حديث من طريق عثمان بن عفان: أن المهدي من بني العباس، وجاء موقوفا على ابن عباس وكعب الأحبار ولا يصح، وبتقدير صحة ذلك لا يلزم أن يكون على التعيين، وقد ورد في حديث آخر أن المهدي من ولد فاطمة فهو يعارض هذا والله أعلم. وأم المهدي بن المنصور أم موسى بنت منصور بن عبد الله الحميري. روى عن أبيه عن جده عبد الله بن عباس " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جهر ببسم الله الرحمن الرحيم ". رواه عنه يحيى بن حمزة النهشلي قاضي دمشق، وذكر أنه صلى خلف المهدي حين قدم دمشق فجهر في السورتين بالبسملة، وأسند ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورواه غير واحد عن يحيى بن حمزة، ورواه المهدي عن المبارك بن فضالة، ورواه عنه أيضا جعفر بن سليمان الضبعي، ومحمد بن عبد الله الرقاشي، وأبو سفيان سعيد بن يحيى بن مهدي.
وكان مولد المهدي في سنة ست أو سبع وعشرين ومائة، أو في سنة إحدى وعشرين ومائة ولي الخلافة بعد موت أبيه في ذي الحجة سنة ثمان وخمسين ومائة، وعمره إذ ذاك ثلاث وثلاثون سنة، ولد بالحميمة من أرض البلقاء، وتوفي في المحرم من هذه السنة أعني سنة تسع وستين ومائة عن ثلاث أو ثمان وأربعين سنة، وكانت خلافته عشر سنين وشهرا وبعض شهر، وكان أسمر طويلا جعد الشعر، على إحدى عينيه نكتة بيضاء، قيل على عينه اليمنى، وقيل اليسرى. قال الربيع الحاجب: رأيت المهدي يصلي في ليلة مقمرة في بهو له عليه ثياب حسنة، فما أدري هو أحسن أم القمر، أم بهوه، أم ثيابه. فقرأ (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم) [محمد: 22] الآية.
ثم أمرني فأحضرت رجلا من أقاربه كما مسجونا فأطلقه (1). ولما جاء خبر موت أبيه بمكة كما تقدم، كتم الامر يومين ثم نودي في الناس يوم الخميس الصلاة جامعة، فقام فيهم خطيبا فأعلمهم موت أبيه وقال: إن أمير المؤمنين دعي فأجاب فعند الله أحتسب أمير المؤمنين وأستعينه على خلافة المسلمين. ثم بايعه الناس بالخلافة يومئذ. وقد عزاه أبو دلامة وهنأه في قصيدة له يقول فيها:
عيناي واحدة ترى مسرورة * بأميرها جذلا وأخرى تذرف تبكي وتضحك تارة ويسوءها * ما أنكرت ويسرها ما تعرف فيسوءها موت الخليفة محرما * ويسرها أن قام هذا الأرأف ما إن رأيت كما رأيت ولا أرى * شعرا أرجله وآخر ينتف هلك الخليفة يال أمة أحمد * وأتاكم من بعده من يخلف أهدى لهذا الله فضل خلافة * ولذاك جنات النعيم تزخرف