واسخ بنفسك لله عز وجل، وانزع قيمة الأشياء من قلبك يصفو لك بذلك سرك ويذكو به ذكرك. ثم أنشدني:
حياتك أنفاس تعد فكلما * مضى نفس منها انتقصت به جزءا فتصبح في نقص وتمسي بمثله * وما لك معقول تحس به رزءا يميتك ما يحييك في كل ساعة * ويحدوك حاد ما يزيد بك الهزءا قال أبو محمد قلت لأحمد: هذه موعظة علي لك فعظني. فقال: يا أخي عليك بلزوم الطاعة وإياك أن تفارق باب القناعة، وأصلح مثواك، ولا تؤثر هواك، ولا تبع آخرتك بدنياك، واشتغل بما يعنيك بترك ما لا يعنيك. ثم أنشدني:
ندمت على ما كان مني ندامة * ومن يتبع ما تشتهي النفس يندم فخافوا لكيما تأمنوا بعد موتكم * ستلقون ربا عادلا ليس يظلم فليس لمغرور بدنياه زاجر * سيندم إن زلت به النعل فاعلموا قال ابن زامين فقلت لأبي محمد: هذه موعظة أحمد لك فعظني أنت. فقال: اعلم رحمك الله أن الله عز وجل ينزل العبيد حيث نزلت قلوبهم بهمومها، فانظر أن ينزل قلبك، واعلم أن الله سبحانه يقرب من القلوب على حسب ما تقرب منه. وتقرب منه على حسب ما قرب إليها. فانظر من القريب من قلبك. وأنشدني:
قلوب رجال في الحجاب نزول * وأرواحهم فيما هناك حلول تروح نعيم الانس في عز قربه * بأفراد توحيد الجليل تحول لهم بفناء القرب من محض بره * عوائد بذل خطبهن جليل قال الخطيب: فقلت لابن زامين: هذه موعظة الحميدي لك فعظني أنت. فقال: اتق الله وثق به ولا تتهمه فإن اختياره لك خير من اختيارك لنفسك وأنشدني:
اتخذ الله صاحبا * ودع الناس جانبا جرب الناس كيف * شئت تجدهم عقاربا قال أبو الفرج غيث الصوري: فقلت للخطيب: هذه موعظة ابن زامين لك فعظني أنت.
فقال: احذر نفسك التي هي أعدى أعدائك أن تتابعها على هواها، فذاك أعضل دائك، واستشرف الخوف من الله تعالى بخلافها، وكرر على قلبك ذكر نعوتها وأوصافها، فإنها الامارة بالسوء والفحشاء والموردة من أطاعها موارد العطب والبلاء، واعمد في جميع أمورك إلى تحري الصدق، ولا تتبع الهوى