يرام، وارحمنا بقدرتك علينا، ولا نهلك وأنت رجاؤنا يا الله، يا الله، يا الله. قال خلف بن تميم:
فما زلت أقولها منذ سمعتها فما عرض لي لص ولا غيره.
وقد روي لهذا شواهد من وجوه أخر. وروي أنه كان يصلي ذات ليلة فجاءه أسد ثلاثة فتقدم إليه أحدهم فشم ثيابه ثم ذهب فربض قريبا منه، وجاء الثاني ففعل مثل ذلك، وجاء الثالث ففعل مثل ذلك، واستمر إبراهيم في صلاته، فلما كان وقت السحر قال لهم: إن كنتم أمرتم بشئ فهلموا، وإلا فانصرفوا، فانصرفوا. وصعد مرة جبلا بمكة ومعه جماعة فقال لهم: لو أن وليا من أولياء الله قال لجبل زل لزال. فتحرك الجبل تحته فوكزه برجله وقال: أسكن فإنما ضربت مثلا لأصحابي. وكان الجبل أبا قبيس. وركب مرة سفينة فأخذهم الموج من كل مكان فلف إبراهيم رأسه بكسائه واضطجع وعج أصحاب السفينة بالضجيج والدعاء، وأيقظوه وقالوا: ألا ترى ما نحن فيه من الشدة؟ فقال:
ليس هذه شدة، وإنما الشدة الحاجة إلى الناس. ثم قال: اللهم أريتنا قدرتك فأرنا عفوك. فصار البحر كأنه قدح زيت. وكان قد طالبه صاحب السفينة بأجرة حمله دينارين وألح عليه، فقال له:
اذهب معي حتى أعطيك ديناريك، فأتى به إلى جزيرة في البحر فتوضأ إبراهيم وصلى ركعتين ودعا وإذا ما حوله قد ملئ دنانير، فقال له: خذ حقك ولا تزد ولا تذكر هذا لاحد. وقال حذيفة المرعشي:
أويت أنا وإبراهيم إلى مسجد خراب بالكوفة، وكان قد مضى علينا أيام لم نأكل فيها شيئا، فقال لي:
كأنك جائع. قلت: نعم. فأخذ رقعة فكتب فيها بسم الله الرحمن الرحيم أنت المقصود إليه بكل حال، المشار إليه بكل معنى، أنا حامد أنا ذاكر أنا شاكر * أنا جائع أنا حاسر أنا عاري هي ستة وأنا الضمين لنصفها * فكن الضمين لنصفها يا باري مدحي لغيرك وهج نار خضتها * فأجز عبيدك من دخول النار ثم قال لي: اخرج بهذه الرقعة ولا تعلق قلبك بغير الله سبحانه وتعالى، وادفع هذه الرقعة لأول رجل تلقاه. فخرجت فإذا رجل على بغلة فدفعتها إليه فلما قرأها بكى ودفع إلي ستمائة دينار وانصرف، فسألت رجلا من هذا الذي على البغلة؟ فقالوا: هو رجل نصراني. فجئت إبراهيم فأخبرته فقال: الآن يجئ مسلم. فما كان غير قريب حتى جاء فأكب على رأس إبراهيم وأسلم.
وكان إبراهيم يقول: دارنا أمامنا وحياتنا بعد وفاتنا. فإما إلى الجنة وإما إلى النار. مثل لبصرك حضور ملك الموت وأعوانه لقبض روحك وانظر كيف تكون حينئذ، ومثل له هول المضجع ومسألة منكر ونكير وانظر كيف تكون. ومثل له القيامة وأهوالها وأفزاعها والعرض والحساب، وانظر كيف تكون. ثم صرخ صرخة خر مغشيا عليه. ونظر إلى رجل من أصحابه يضحك فقال له: لا تطمع فيما لا يكون، ولا تنس ما يكون. فقيل له: كيف هذا يا أبا إسحاق؟ فقال: لا تطمع في البقاء والموت يطلبك، فكيف يضحك من يموت ولا يدري أين يذهب به إلى جنة أم إلى نار؟ ولا تنس ما