دائما، لنستعين بكلامه فيما نكاتب به إلى الآفاق إلى من لا يعرف كلام الأوزاعي. فقال: والله يا أمير المؤمنين لا يقدر أحد من أهل الأرض على مثل كلامه ولا على شئ منه. وقال الوليد بن مسلم: كان الأوزاعي إذا صلى الصبح جلس يذكر الله سبحانه حتى تطلع الشمس، وكان يأثر عن السلف ذلك.
قال: ثم يقومون فيتذاكرون في الفقه والحديث. وقال الأوزاعي: رأيت رب العزة في المنام فقال: أنت الذي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فقلت: بفضلك أي رب. ثم قلت: يا رب أمتني على الاسلام. فقال: وعلى السنة. وقال محمد بن شعيب بن شابور: قال لي شيخ بجامع دمشق: أنا ميت في يوم كذا وكذا. فلما كان في ذلك اليوم رأيته في صحن الجامع يتفلى، فقال لي: اذهب إلى سرير الموتى فاحرزه لي عندك قبل أن تسبق إليه. فقلت: ما تقول؟ فقال: هو ما أقول لك، وإني رأيت كأن قائلا يقول فلان قدري وفلان كذا وعثمان بن العاتكة نعم الرجل، وأبو عمرو الأوزاعي خير من يمشي على وجه الأرض، وأنت ميت في يوم كذا وكذا. قال محمد بن شعيب: فما جاء الظهر حتى مات وصلينا عليه بعدها وأخرجت جنازته. ذكر ذلك ابن عساكر. وكان الأوزاعي رحمه الله كثير العبادة حسن الصلاة ورعا ناسكا طويل الصمت، وكان يقول: من أطال القيام في صلاة الليل هون الله عليه طول القيام يوم القيامة، أخذ ذلك من قوله تعالى: (ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا، إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا) [الانسان: 26 - 27] وقال الوليد بن مسلم: ما رأيت أحدا أشد اجتهادا من الأوزاعي في العبادة. وقال غيره: حج فما نام على الراحلة، إنما هو في صلاة، فإذا نعس استند إلى القتب، وكان من شدة الخشوع كأنه أعمى. ودخلت امرأة على امرأة الأوزاعي فرأت الحصير الذي يصلي عليه مبلولا فقالت لها: لعل الصلبي بال ههنا. فقالت: هذا أثر دموع الشيخ من بكائه في سجوده، هكذا يصبح كل يوم. وقال الأوزاعي: عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس، وإياك وأقوال الرجال وإن زخرفوه وحسنوه، فإن الامر ينجلي وأنت منه على طريق مستقيم. وقال أيضا: اصبر على السنة وقف حيث يقف القوم، وقل ما قالوا وكف عما كفوا، وليسعك ما وسعهم. وقال: العلم ما جاء عن أصحاب محمد، وما لم يجئ عنهم فليس بعلم. وكان يقول: لا يجتمع حب علي وعثمان إلا في قلب مؤمن. وإذا أراد الله بقوم شرا فتح عليهم باب الجدل وسد عنهم باب العلم والعمل. قالوا: وكان الأوزاعي من أكرم الناس وأسخاهم، وكان له في بيت المال على الخلفاء أقطاع صار إليه من بني أمية وقد وصل إليه من خلفاء بني أمية وأقاربهم وبني العباس نحو من سبعين ألف دينار، فلم يمسك منها شيئا، ولا اقتنى شيئا من عقار ولا غيره، ولا ترك يوم مات سوى سبعة (1) دنانير كانت جهازه، بل كان ينفق ذلك كله في سبيل الله وفي الفقراء والمساكين.
ولما دخل عبد الله بن علي - عم السفاح الذي أجلى بني أمية عن الشام، وأزال الله سبحانه دولتهم على يده - دمشق فطلب الأوزاعي فتغيب عنه ثلاثة أيام ثم حضر بين يديه. قال الأوزاعي: