عنه. ثم انتضى سيما الدمشقي سيفه فضرب عنقه وحز رأسه وحمل معترضا حتى أتى به الحظيرة التي فيها بابك الخرمي فصلب فيها، وفي رجليه زوج قيود وعليه سراويل وقميص، وحمل رأسه إلى بغداد فنصب في الجانب الشرقي أياما، وفي الغربي أياما، وعنده الحرس في الليل والنهار، وفي أذنه رقعة مكتوب فيها: هذا رأس الكافر المشرك الضال أحمد بن نصر الخزاعي، ممن قتل على يدي عبد الله هارون الامام الواثق بالله أمير المؤمنين بعد أن أقام عليه الحجة في خلق القرآن، ونفي التشبيه وعرض عليه التوبة ومكنه من الرجوع إلى الحق فأبى إلا المعاندة والتصريح، فالحمد لله الذي عجله إلى ناره وأليم عقابه بالكفر، فاستحل بذلك أمير المؤمنين دمه ولعنه.
ثم أمر الواثق بتتبع رؤوس أصحابه فأخذ منهم نحوا من تسع وعشرين رجلا فأودعوا في السجون وسموا الظلمة، ومنعوا أن يزورهم أحد وقيدوا بالحديد، ولم يجر عليهم شئ من الأرزاق التي كانت تجري على المحبوسين وهذا ظلم عظيم.
وقد كان أحمد بن نصر هذا من أكابر العلماء العالمين القائمين بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسمع الحديث من حماد بن زيد، وسفيان بن عيينة، وهاشم بن بشير، وكانت عنده مصنفاته كلها، وسمع من الامام مالك بن أنس أحاديث جيدة (1)، ولم يحدث بكثير من حديثه، وحدث عنه أحمد بن إبراهيم الدورقي، وأخوه يعقوب بن إبراهيم ويحيى بن معين، وذكره يوما فترحم عليه وقال: قد ختم الله له بالشهادة، وكان لا يحدث ويقول إني لست أهلا لذلك. وأحسن يحيى بن معين الثناء عليه جدا. وذكره الإمام أحمد بن حنبل يوما فقال: رحمه الله ما كان أسخاه بنفسه لله، لقد جاد بنفسه له. وقال جعفر بن محمد الصائغ: بصرت عيناي وإلا فقئتا وسمعت أذناي وإلا فصمتا أحمد بن نصر الخزاعي حين ضربت عنقه يقول رأسه: لا إله إلا الله. وقد سمعه بعض الناس وهو مصلوب على الجذع ورأسه يقرأ (آلم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) [العنكبوت: 1 - 2] قال: فاقشعر جلدي. ورآه بعضهم في النوم فقال له: ما فعل بك ربك؟ فقال:
ما كانت إلا غفوة حتى لقيت الله عز وجل فضحك إلي. ورأى بعضهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام ومعه أبو بكر وعمر، قد مروا على الجذع الذي عليه رأس أحمد بن نصر، فلما جاوزوه أعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه الكريم عنه فقيل له: يا رسول الله ما لك أعرضت عن أحمد بن نصر؟ فقال: " أعرضت عنه استحياء منه حين قتله رجل يزعم أنه من أهل بيتي ".
ولم يزل رأسه منصوبا من يوم الخميس الثامن والعشرين من شعبان من هذه السنة - أعني سنة إحدى وثلاثين ومائتين - إلى بعد عيد الفطر بيوم أو يومين من سنة سبع وثلاثين ومائتين، فجمع بين رأسه وجثته ودفن بالجانب الشرقي من بغداد بالمقبرة المعروفة بالمالكية رحمه الله. وذلك بأمر المتوكل