فليقل فيك باكياتك ما شئن * صياحا في وقت كل مساء قال: فبكى وبكينا حتى شغلنا البكاء عن جميع ما كنا فيه. ثم اندفع بعضهم يغني:
ودع هريرة إن الركب مرتحل * وهل تطيق وداعا أيها الرجل فازداد بكاؤه وقال: ما سمعت كاليوم قط تعزية بأب وبغى نفس، ثم ارفض ذلك المجلس.
وروى الخطيب أن دعبل بن علي الشاعر لما تولى الواثق عمد إلى طومار فكتب فيه أبيات شعر ثم جاء إلى الحاجب فدفعه إليه وقال: اقرأ أمير المؤمنين السلام وقل: هذه أبيات امتدحك بها دعبل فلما فضها الواثق إذا فيها:
الحمد لله لا صبر ولا جلد * ولا عزاء إذا أهل الهوى (1) رقدوا خليفة مات لم يحزن له أحد * وآخر قام لم يفرح به أحد فمر هذا ومر الشؤم يتبعه * وقام هذا فقام الويل والنكد قال: فتطلبه الواثق بكل ما يقدر عليه من الطلب فلم يقدر عليه حتى مات الواثق. وروى أيضا أنه لما استخلف الواثق ابن أبي دؤاد على الصلاة في يوم العيد ورجع إليه بعد أن قضاها قال له: كيف كان عيدكم يا أبا عبد الله؟ قال: كنا في نهار لا شمس فيه. فضحك وقال: يا أبا عبد الله أنا مؤيد بك. قال الخطيب: وكان ابن أبي دؤاد استولى على الواثق وحمله على التشديد في المحنة ودعا الناس إلى القول بخلق القرآن. قال ويقال: إن الواثق رجع عن ذلك قبل موته فأخبرني عبد الله بن أبي الفتح، أنبأ أحمد بن إبراهيم بن الحسن، ثنا إبراهيم بن محمد بن عرفة، حدثني حامد بن العباس عن رجل عن المهدي: أن الواثق مات وقد تاب من القول بخلق القرآن. وروي أن الواثق دخل عليه يوما مؤدبه فأكرمه إكراما كثيرا فقيل له في ذلك فقال: هذا أول من فتق لساني بذكر الله وأدناني برحمة الله. وكتب إليه بعض الشعراء:
جذبت دواعي النفس عن طلب الغنى * وقلت لها عفي عن الطلب النزر فإن أمير المؤمنين بكفه * مدار رحا الأرزاق دائمة تجري فوقع له في رقعته جذبتك نفسك عن امتهانها، ودعتك إلى صونها فخذ ما طلبته هينا. وأجزل له العطاء. ومن شعره قوله:
هي المقادير تجري في أعنتها * فاصبر فليس لها صبر على حال ومن شعر الواثق قوله: