كفى لك فضلا أن أفضل حرة (1) * غذتك بثدي والخليفة واحد لقد زنت يحيى في المشاهد كلها * كما زان يحيى خالدا في المشاهد قالوا: وكان الفضل أكرم من أخيه جعفر، ولكن كان فيه كبر شديد، وكان عبوسا، وكان جعفر أحسن بشرا منه وأطلق وجها، وأقل عطاء. وكان الناس إليه أميل، ولكن خصلة الكرم تغطي جميع القبائح، فهي تستر تلك الخصلة التي كانت في الفضل. وقد وهب الفضل لطباخه مائة ألف درهم فعابه أبوه على ذلك، فقال: يا أبت إن هذا يصحبني في العسر واليسر والعيش الخشن، واستمر معي في هذا الحال فأحسن صحبتي، وقد قال بعض الشعراء:
إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروا * من كان يعتادهم في المنزل الخشن ووهب يوما لبعض الأدباء عشرة آلاف دينار فبكى الرجل فقال له: مم تبكي، أستقللتها؟
قال: لا والله، ولكني أبكي أن الأرض تأكل مثلك، أو تواري مثلك.
وقال علي بن الجهم عن أبيه: أصبحت يوما لا أملك شيئا حتى ولا علف الدابة. فقصدت الفضل بن يحيى، فإذا هو قد أقبل من دار الخلافة في موكب من الناس، فلما رآني رحب بي وقال:
هلم. فسرت معه، فلما كان ببعض الطريق سمع غلاما يدعو جارية من دار، وإذا هو يدعوها باسم جارية له يحبها، فانزعج لذلك وشكا إلي ما لقي من ذلك، فقلت: أصابك ما أصاب أخي بني عامر حيث يقول:
وداع دعا إذ نحن بالخيف من منى * فهيج أحزان الفؤاد ولا يدري دعا باسم ليلى غيرها وكأنما * أطار بليلى طائرا كان في صدري فقال: اكتب لي هذين البيتين. قال: فذهبت إلى بقال فرهنت عنده خاتمي على ثمن ورقة وكتبتهما له، فأخذهما وقال: انطلق راشدا. فرجعت إلى منزلي فقال لي غلامي: هات خاتمك حتى نرهنه على طعام لنا وعلف للدابة، فقلت: إني رهنته. فما أمسينا حتى أرسل إلي الفضل بثلاثين ألفا من الذهب، وعشرة آلاف من الورق، أجراه علي كل شهر، وأسلفني شهرا.
ودخل على الفضل يوما بعض الأكابر فأكرمه الفضل وأجلسه معه على السرير، فشكا إليه الرجل دينا عليه وسأله أن يكلم في ذلك أمير المؤمنين. فقال: نعم، وكم دينك؟ قال ثلاثمائة ألف ردهم. فخرج من عنده وهو مهموم لضعف رده عليه، ثم مال إلى بعض إخوانه فاستراح عنده ثم رجع إلى منزله فإذا المال قد سبقه إلى داره. وما أحسن ما قال فيه بعض الشعراء: