حنيفة وفاة، وأكثرهم استعمالا للقياس، وكان عابدا، اشتغل بعلم الحديث ثم غلب عليه الفقه والقياس. ولد سنة ست عشرة ومائة، وتوفي سنة ثمان وخمسين ومائة عن ثنتين وأربعين سنة رحمه الله وإيانا.
ثم دخلت سنة تسع وخمسين ومائة استهلت هذه السنة وخليفة الناس أبو عبد الله محمد بن المنصور المهدي، فبعث في أولها العباس بن محمد إلى بلاد الروم في جيش كثيف، وركب معهم مشيعا لهم، فساروا إليها فافتتحوا مدينة عظيمة للروم، وغنموا غنائم كثيرة ورجعوا سالمين لم يفقد منهم أحد. وفيها توفي حميد بن قحطبة نائب خراسان، فولى المهدي مكانه أبا عون عبد الملك بن يزيد، وولى حمزة بن مالك سجستان، وولى جبريل بن يحيى سمرقند. وفيها بنى المهدي الرصافة وخندقها. وفيها جهز جيشا كثيفا إلى بلاد الهند فوصلوا إليها في السنة الآتية، وكان من أمرهم ما سنذكره. وفيها توفي نائب السند معبد بن الخليل فولى المهدي مكانه روح بن حاتم بمشورة وزيره أبي عبد الله (1). وفيها أطلق المهدي من كان في السجون إلا من كان محبوسا على دم، أو من سعى في الأرض فسادا، أو من كان عنده حق لاحد.
وكان في جملة من أخرج من المطبق يعقوب بن داود مولى بني سليم، والحسن بن إبراهيم بن عبد الله بن حسن، وأمر بصيرروة حسن هذا إلى نصير الخادم ليحترز عليه. وكان الحسن قد عزم على الهرب من السجن قبل خروجه منه، فلما خرج يعقوب بن داود ناصح الخليفة بما كان عزم عليه فنقله من السجن وأودعه عند نصير الخادم ليحتاط عليه، وحظي يعقوب بن داود عند المهدي جدا حتى صار يدخل عليه في الليل بلا استئذان، وجعله على أمور كثيرة، وأطلق له مائة ألف درهم. وما زال عنده كذلك حتى تمكن المهدي من الحسن بن إبراهيم فسقطت منزلة يعقوب عنده. وقد عزل المهدي نوابا كثيرة عن البلاد وولى بدلهم. وفي هذه السنة تزوج المهدي بابنة عمه أم عبد الله بنت صالح بن علي، وأعتق جاريته الخيزران وتزوجها أيضا، وهي أم الرشيد. وفيها وقع حريق عظيم في السفن التي في دجلة بغداد. ولما ولي المهدي سأل عيسى بن موسى - وكان ولي العهد من بعده - أن يخلع نفسه من الامر فامتنع على المهدي، وسأل المهدي أن يقيم بأرض الكوفة في ضيعة له فأذن له، وكان قد استقر على إمرة الكوفة روح بن حاتم، فكتب إلى المهدي: إن عيسى بن موسى لا يأتي الجمعة ولا الجماعة مع الناس إلا شهرين من السنة، وإنه إذا جاء يدخل بدوابه إلى داخل باب المسجد فتروث دوابه حيث يصلى الناس. فكتب إليه المهدي أن يعمل خشبا على أفواه السكك حتى لا يصل الناس إلى المسجد إلا