فلما رأى الزنج تسرعهم إليهم ولوا منهزمين واتبعهم أصحاب أبي العباس فدخلوا المدينة، وكان الزنج قد حصنوها بخمسة خنادق وجعل أمام كل خندق سورا، فجعلوا يقفون عند كل سور وخندق، فكشفهم أصحاب أبي العباس ودخلت الشذوات والسميريات المدينة من النهر فجعلت تغرق كل ما مرت لهم به من سميرية وشذاة، وقتلوا من بجانبي النهر وأسروا حتى أجلوهم عن المدينة وعما اتصل بها، وكان مقدار العمارة فيها فرسخا.
وحوى الموفق ذلك كله، وأفلت سليمان بن جامع ونفر من أصحابه وكثر القتل فيهم والأسر، واستنقذ أبو أحمد من نساء أهل واسط والكوفة والقرى وغيرها وصبيانهم أكثر من عشرين ألفا فأمر أبو أحمد بحملهم إلى واسط ودفعهم إلى أهليهم، وأخذ ما كان فيها من الذخائر والأموال وأمر بصرفه إلى الأجناد، وأسر من نساء سليمان وأولاده عدة وتخلص من كان أخذ من أصحاب الموفق، ونجا جمع كثير إلى الآجام، فأمر أصحابه بطلبهم فأقام سبعة عشر يوما وهدم سور المدينة وطم خنادقها، وجعل لكل من أتاه برجل منهم جعلا فكان إذا أتى بالواحد منهم عفا عنه وضمه إلى قواده وغلمانه لما كان دبره من استمالتهم.
وأرسل في طلب سليمان بن جامع حتى بلغوا دجلة العوراء فلم يظفروا به وأمر زيرك بالمقام بطهثا ليتراجع إلى تلك الناحية أهلها ويأمنوا.