الظاهر المنضبط، لكون المشقة فيه أدنى، فبقينا عاملين بعموم النص فيما عداه.
فإن قيل: ما ذكرتموه في جواز التعليل بالحكمة الظاهرة المنضبطة فهو فرع إمكان ذلك، وهو غير مسلم في الحكمة، فإنها راجعة إلى الحاجات إلى المصالح ودفع المفاسد، والحاجات مما تخفى وتزيد وتنقص، فلا تكون ظاهرة ولا منضبطة وإن سلمنا إمكان ذلك نادرا.
غير أنه يلزم من التوسل إلى معرفتها في آحاد الصور لتعيين القليل منها، نوع عسر وحرج لا يلزم في التوسل إلى معرفة الضوابط الجلية والمظان الظاهرة المنضبطة المشتملة على احتمال الحكم في الغالب، وذلك مدفوع بقوله تعالى: * (ما جعل عليكم في الدين من حرج) *.
وما ذكرتموه في امتناع التعليل بالحكمة الخفية:
أما الوجه الأول، فالبحث عن الحكمة الخفية، وإن كان فيه نوع حرج ومشقة، غير أنه لا بد منه عند التعليل بالوصف الظاهر المشتمل عليها ضرورة أنها علة لكون الوصف علة، ولولا اشتمال الوصف عليها لما كان علة للحكم وإذا لم يكن بد من معرفتها في جعل الوصف علة للحكم وقد جعلت علة للعلة أمكن أن تجعل علة للحكم من غير حاجة إلى ضابطها. وحيث لم تقض بالترخص في حق الحمال في الحضر دفعا للمشقة عنه، فغايته امتناع تعليل الرخصة بمطلق المشقة، بل بالمشقة الخاصة بالسفر، ولا يلزم من ذلك امتناع التعليل بالحكمة مطلقا.
وأما الوجه الثاني: فغاية ما فيه جواز التعليل بالضابط المشتمل على الحكمة.
وليس فيه ما يدل على امتناع التعليل بالحكمة. قولكم: إنه لا حاجة إليه، لا نسلم ذلك، فإن الاطلاع عليه أسهل من الاطلاع على الحكمة.
وأما الوجه الثالث: فهو أن الحرج اللازم عن البحث عن الحكمة الخفية وإن كان شاقا، غير أنه لا يزيد على البحث عنها عند التعليل بضابطها، بل المشقة في تعرفها، مع تعرف ضابطها، أشق من تعرفها دون ضابطها. وقد أجمعنا على مخالفة النص المذكور عند التعليل بالضابط، وكانت مخالفته عند التعليل بالحكمة، لا غير أقل مشقة وحرجا، فكان أولى بالمخالفة.