الأول أنه لو كانت صفة العلة أمرا وجوديا، لم يخل إما أن تكون واجبة لذاتها، أو ممكنة: الأول محال، وإلا لما افتقرت إلى الموصوف بها.
والثاني يوجب افتقارها إلى علة مرجحة لها. والكلام في صفة تلك العلة كالكلام في الأولى، وهو تسلسل ممتنع.
الوجه الثاني: أنه يصح وصف الامر العدمي بكونه علة للامر العدمي، ولهذا يصح أن يقال: إنما لم أسلم على فلان، لأني لم أره وإنما لم أفعل كذا، لعدم الداعي إليه.
وأما الوجه الثاني، فليس فيه دلالة على توقف حدوث ذلك الامر على تجدد وجود أمر آخر. ولهذا، فإنه يصح أن يقال أي شئ صنع هذا، حتى حدث له هذا المال؟ وإن لم يكن حصول المال له موقوفا على صنع من جهته، لجواز حدوثه له عن إرث أو وصية.
وإن سلمنا دلالته على التوقف على الامر الوجودي، غير أنه معارض بما يدل على صحة تعليل الامر الوجودي بالامر العدمي.
وبيانه أنه يصح أن يقال ضرب فلان عبد ه لأنه لم يمتثل أمره وشتم فلان فلانا لأنه لم يسلم عليه، وهو تعليل للامر الوجودي بالامر العدمي.
وأما الوجه الثالث: فهو وإن سلمنا أن العلة لا بد وأن تكون بمعنى الباعث، وأن الباعث عبارة عما ذكرتموه، ولكن لا نسلم امتناع كون الوصف العدمي باعثا وذلك لأنا أجمعنا على جواز التعليل بالوصف الوجودي الظاهر المنضبط، إذا كان يلزم من ترتيب الحكم على وفقه تحصيل مصلحة أو دفع مفسدة ظاهرا، فالعدم المقابل له يكون أيضا ظاهرا منضبطا، ويكون مشتملا على نقيض ما اشتمل عليه الوصف الوجودي، وهو لا يخرج عن المصلحة أو المفسدة، لأنه إن كان ما اشتمل عليه الوصف الوجودي مصلحة، فعدمه يلزمه عدم تلك المصلحة، وعدم المصلحة مفسدة، وإن كان ما اشتمل عليه الوصف الوجودي مفسدة، فعدمه يلزمه عدم تلك المفسدة وعدم المفسدة مصلحة وهو مقدور للمكلف، لأنه إذا كان مقابله، وهو الوصف الوجودي، مقدورا، فلا معنى لكونه مقدورا، إلا أنه مقدور على إيجاده وإعدامه، فإذا العدم المقابل للوجود مقدور، وإذا كان مقدورا وهو ظاهر