وأما الاشكال الثاني، فقد أجاب عنه القاضي عبد الجبار بأن الخبر معلوم لنا، وما ذكرناه لم نقصد به تعريف الخبر بل فصله وتمييزه عن غيره فإذا عرفنا الصدق والكذب بالخبر فلا يكون دورا، وهو غير صحيح، لأنه إذا كان تمييز الخبر عن غيره إنما يكون بالنظر إلى الصدق والكذب. فتمييز الصدق والكذب بالخبر يوجب توقف كل واحد من الامرين في تمييزه عن غيره على الآخر، وهو عين الدور، بل، لو قيل: إن الصدق والكذب، وإن كان داخلا في حد الخبر ومميزا له، فلا نسلم أن الصدق والكذب، مفتقر في معرفته إلى الخبر، بل الصدق والكذب معلوم لنا بالضرورة، لكان أولى.
وأما الاشكال الثالث، فقد قيل في جوابه إن المحدود إنما هو جنس الخبر، وهو قابل لدخول الصدق والكذب فيه، كاجتماع السواد والبياض في جنس اللون، وهو غير صحيح فإن الحد، وإن كان لجنس الخبر، فلا بد وأن يكون الحد موجودا في كل واحد من آحاد الاخبار، وإلا لزم منه وجود الخبر دون حد الخبر وهو ممتنع. ولا يخفى أن آحاد الاخبار الشخصية مما لا يجتمع فيه الصدق والكذب. والحق في ذلك أن (الواو) وإن كانت ظاهرة في الجمع المطلق، غير أن المراد بها الترديد بين القسمين تجوزا.
وأما الاشكال الرابع فقد قيل في جوابه مثل جواب الاشكال الذي قبله. وقد عرف ما فيه.
ومن الناس من قال: الخبر ما دخله الصدق أو الكذب، ويرد عليه الاشكالان الأولان من الاشكالات الواردة على الحد الأول دون الأخيرين. وقد عرف ما فيهما. ويرد عليه إشكال آخر خاص به، وهو أن الحد معرف للمحدود، وحرف (أو) للترديد، وهو مناف للتعريف. ويمكن أن يقال في جوابه، إن الحكم بقبول الخبر لاحد هذين الامرين من غير تعيين جازم لا تردد فيه، وهو المأخوذ في التحديد.
وإنما التردد في اتصافه بأحدهما عينا، وهو غير داخل في الحد. ومنهم من قال: هو ما يدخله التصديق والتكذيب وقيل ما يدخله التصديق أو التكذيب