الأول: أن المألوف من عادة العرب أنه إذا اجتمع التذكير والتأنيث غلبوا جانب التذكير. ولهذا فإنه يقال للنساء إذا تمحضن: أدخلن، وإن كان معهن رجل، قيل: ادخلوا. قال الله تعالى لآدم وحواء وإبليس * (قلنا اهبطوا منها جميعا) * (2) البقرة: 38) كما ألف منهم تغليب جمع من يعقل إذا كان معه من لا يعقل.
ومنه قوله تعالى: * (والله خلق كل دابة من ماء، فمنهم من يمشي على بطنه) * (24) النور: 45) بل أبلغ من ذلك أنهم إذا وصفوا ما لا يعقل بصفة من يعقل غلبوا فيه من يعقل.
ومنه قوله تعالى: * (أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين) * (12) يوسف: 4) جمعهم جمع من يعقل لوصفهم بالسجود الذي هو صفة من يعقل. وكتغليبهم الكثرة على القلة حتى إنهم يصفون بالكرم والبخل جمعا أكثرهم متصف بالكرم أو البخل.
وكتغليبهم في التثنية أحد الاسمين على الآخر، كقولهم الأسودان للتمر والماء، والعمران لأبي بكر وعمر، والقمران للشمس والقمر.
الثاني: أنه يستهجن من العربي أن يقول لأهل حلة أو قرية أنتم آمنون، ونساؤكم آمنات لحصول الامن للنساء بقوله أنتم آمنون ولولا دخولهن في قوله أنتم آمنون لما كان كذلك. وكذلك لا يحسن منه أن يقول لجماعة فيهم رجال ونساء قوموا وقمن بل لو قال قوموا كان ذلك كافيا في الامر للنساء بالقيام. ولولا دخولهن في جمع التذكير، لما كان كذلك.
الثالث: أن أكثر أوامر الشرع بخطاب المذكر مع انعقاد الاجماع على أن النساء يشاركن الرجال في أحكام تلك الأوامر، ولو لم يدخلن في ذلك الخطاب، لما كان كذلك.
والجواب: قولهم في الآية: فائدة التخصيص بلفظ يخصهن التأكيد.
قلنا: لو اعتقدنا عدم دخولهن في جمع التذكير، كانت فائدة تخصيصهن بالذكر التأسيس، ولا يخفى أن فائدة التأسيس أولى في كلام الشارع.
قولهم: سؤال أم سلمة وعائشة إنما كان لعدم تخصيص النساء بلفظ يخصهن، لا لعدم دخول النساء في جمع التذكير، ليس كذلك: أما سؤال أم سلمة فهو صريح في عدم الذكر مطلقا، لا في عدم ذكر ما يخصهن، بحيث قالت ما نرى الله ذكر إلا الرجال ولو ذكر النساء، ولو بطريق الضمن، لما صح هذا الاخبار