وأما الاجماع فما روي عن ابن مسعود أنه كان إذا حدث قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، هكذا، أو نحوه. ولم ينكر عليه منكر، فكان إجماعا.
وأما الأثر فما روي عن مكحول أنه قال: دخلنا على واثلة بن الأسقع، فقلنا:
حدثنا حديثا ليس فيه تقديم ولا تأخير فغضب وقال لا بأس إذا قدمت وأخرت إذا أصبت المعنى.
وأما المعقول فمن وجهين: الأول أن الاجماع منعقد على جواز شرح الشرع للعجم بلسانهم، وإذا جاز الابدال بغير العربية في تفهيم المعنى، فالعربية أولى.
الثاني هو أنا نعلم أن اللفظ غير مقصود لذاته ونفسه، ولهذا، فإن النبي، صلى الله عليه وسلم، كان يذكر المعنى في الكرات المتعددة بألفاظ مختلفة، بل المقصود إنما هو المعنى، ومع حصول المعنى، فلا أثر لاختلاف اللفظ.
فإن قيل: ما ذكرتموه معارض بالنص والمعقول:
أما النص فقوله صلى الله عليه وسلم: نضر الله امرأ سمع مقالتي، فوعاها وأداها كما سمعها، فرب حامل فقه إلى غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه.
وأما المعقول فمن وجهين: الأول أن العلماء بالعربية وأهل الاجتهاد، قد يختلفون في معنى اللفظ الوارد مع اتحاده، حتى إن كل واحد منهم قد يتنبه منه على ما لا يتنبه عليه الآخر. وعند ذلك، فالراوي وإن كان عالما بالعربية واختلاف دلالات الألفاظ فقد يحمل اللفظ على معنى فهمه من الحديث مع الغفلة عن غير ذلك. فإذا أتى بلفظ يؤدي المعنى الذي فهمه من اللفظ النبوي دون غيره مع احتمال أن يكون ما أخل به هو المقصود، أو بعض المقصود، فلا يكون وافيا بالغرض من اللفظ، وربما اختل المقصود من اللفظ بالكلية بتقدير تعدد النقلة بأن ينقل كل واحد ما سمعه من الراوي الذي قبله بألفاظ غير ألفاظه على حسب ما يعقله من لفظه، مع التفاوت اليسير في المعنى، حتى ينتهي المعنى الأخير إلى مخالفة المعنى المقصود باللفظ النبوي بالكلية، وهو ممتع.