لان الذي فعل حق للمدفوع إليه لا للدافع، فليس كاسبا على غيره بل فعل فعلا واجبا على كل أحد أن يفعله، أمر بذلك أو لم يؤمر، لأنه قيام بالقسط.
قال الله تعالى: * (كونوا قوامين بالقسط) * وقال تعالى: * (وتعاونوا على البر والتقوى) * ومن البر إيصال كل أحد حقه.
وأما القاضي والأمين يعزله الأمير فليس للامام أن يضيع أمور المسلمين فيبقيهم دون من ينفذ أحكامهم، لكن يكتب أو يوصي إلى القاضي أو الوالي إذا أتاك عهدي فاعتزل عملنا. فإن لم يفعل كذلك فكل حكم أنفذه المعزول قبل أن يعلم العزل بحق فهو نافذ، لأنه لم يكلف علم الغيب، وقد ظلم الامام إذ عزله دون تقديم غيره، والظلم مردود، ومن باع مال غيره أو تأمر فحكم فوافق أن صاحب ذلك المال المبيع قد كان وكله قبل أن يبيع ما باع، ولم يعلم الوكيل بذلك، أو وافق أن الامام قد كان ولاه ما تأمر عليه، ولم يعلم هو بذلك، فكل ما فعل فمردود منسوخ، لأنهما غير مطيعين بما فعلا، بل هما عاصيان لان الطاعة عمل من الأعمال والأعمال بالنيات، ولا نية لهذين فيما فعلا لأنهما لم يفعلا كما أمرا بل كما لم يؤمرا. كما قلنا قبل فيمن صلى إلى جهة ولا يشك أنها غير القبلة.
فوافق أنها القبلة فصلاته فاسدة، لأنه لم ينو الطاعة المأمور بها، وكذلك من باع فوافق أنه ماله ولا يعلم، أو قد ورثه أو استحقه فبيعه ذلك مردود أبدا، وكذلك هبته وصدقته لو وهبه أو تصدق به. وكذلك لو كان عبدا فأعتقه.
ويرد كل ذلك لأنه عمل لم يعمل بالنية التي أبيح له أن يعمله بها ولا عمل إلا بنية.
وأما من لقي امرأة فظنها أجنبية فوطئها فإذا هي زوجته. فإنها تستحق بذلك جميع المهر وتحل لمطلقها ثلاثا، لان الوطئ لا يحتاج فيه إلى نية، وقد رجم النبي صلى الله عليه وسلم بوطئ في الكفر، ولو تزوجها وهو عاقل ثم جن فوطأها في حال جنونه لاستحقت في ماله جميع الصداق بلا خوف، ويلحق به الولد بلا خوف فصح أن الوطئ لا يحتاج فيه إلى نية بإجماع.
وأما من صام رمضان وهو لا يدري فوافق رمضان فلا يجزيه. وكذلك الصلاة يصليها وهو لا يدري أدخل وقتها أم لا. لان هذه الأعمال تقضي نية مرتبطة بها لا يصلح العمل إلا بها. فإن امتزجت بغير تلك النية أو عدمت ارتباط