الذي أمر الله تعالى بشكره، لا شكر المنعم الذي أمر الله تعالى بالاضرار به، وألا يقارض على إحسانه، رجع إلى الحق، وإلى أنه لا حسن إلا ما فعل الله تعالى، ولا قبيح إلا ما نهى الله عنه وهذا الذي لا يجوز غيره.
والعجب من ذهاب هؤلاء القوم عن نور الحق في هذه المسألة، وهم يسمعون الله تعالى يقول: * (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو اخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الايمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون) * وقوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين) * فأوجب تعالى القيام عليهم بمر الحق، وإن أدى إلى صلبهم وقتلهم، وقطع أيديهم وأرجلهم وأعضائهم، وضربهم بالسياط، وشدخهم بالحجارة، وهتك أستارهم، وسبي نسائهم وذراريهم، وبيع أملاكهم وبيعهم مماليك وأخذ أموالهم، وإن كانوا آباءنا المحسنين إلينا إذا كفروا، فأين شكر المنعم، وبر الأب على الاطلاق؟ وهذا كله محال.
وإنما الذي يجب فهو بر الوالدين الأبوين الذين أوجب الله برهما، وإنما الذي يجب أيضا فهو شكر المنعم الذي أمر الله بشكره، ولم يأمرنا الله تعالى ببر الوالدين لما وجب برهما ولا عقوقهما، ولو لم يأمرنا بشكر المنعم لما لزم شكره ولا كفره، كما لا يلزم بر الوالدين الحربيين أو المحاربين، وكذلك المنعم الحربي