فإن قال قائل: ما الفرق بين البداء والنسخ؟
قيل له وبالله تعالى التوفيق: الفرق بينهما لائح، وهو أن البداء هو أن يأمر بالامر والامر لا يدري ما يؤول إليه الحال، والنسخ هو أن يأمر بالامر والامر يدري أنه سيحيله في وقت كذا ولا بد، قد سبق ذلك في عمله وحتمه من قضائه، فلما كان هذان الوجهان معنيين متغايرين مختلفين، وجب ضرورة أن يعلق على كل واحد منها اسم يعبر به عنه غير اسم الآخر ليقع التفاهم، ويلوح الحق، فالبداء ليس من صفات الباري تعالى، ولسنا نعني الباء والدال والألف، وإنما نعني المعنى الذي ذكرنا من أن يأمر بالامر لا يدري ما عاقبته، فهذا مبعد من الله عز وجل، وسواء سموه نسخا أو بداء أو ما أحبوا، وأما النسخ فمن صفات الله تعالى من جهة أفعاله كلها، وهو القضاء بالامر قد علم أنه سيحيله بعد مدة معلومة عنده عز وجل، كما سبق في علمه تعالى.
ولسنا نكابر على النون والسين والخاء، وإنما نعني المعنى الذي بينا، وسواء سموه نسخا أو بداء أو ما أحبوا من الأسماء، ولكن اسمه عند النسخ، وبهذه العبارة نعبر عن هذا المعنى الذي لا يخلو الله تعالى فعل منه أصلا في دار الابتلاء، وكل شئ منها كائن فاسد، وهذا هو النسخ، وهو نوع من أنواع الكون والفساد الجاريين في طبيعة العالم بتقدير خالقه ومخترعه ومدبره ومتممه لا إله إلا هو.
واسم الصفة الأولى عندنا البداء فيها، يعبر عن هذا المعنى الذي هو من صفات المختارين من الإنس والجن وسائر الحيوان، وهو خلق مذموم، لأنه نتيجة الملل والندم والسآمة، وهذه الأخلاق منفية عن الملائكة بنص القرآن، فكيف عن الباري تعالى فهذا فرق ما بين البداء والنسخ قد لاح، والحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم.
قال أبو محمد: والنسخ قبل حلول الوقت الذي علم الله عز وجل أنه يحيل فيه الحال ممتنع في الوجود، لا في قدرته تعالى على ذلك، وهو عندنا في ظاهر الامر ممكن.
قال أبو محمد: وهو في وقت حلوله وبلوغ أمده الذي قدره تعالى كائنا فيه واجب وهو - بعد أن علمنا الله عز وجل أنه لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم - ممتنع لا سبيل