وإن كنت تريد أنه لما سلف في سابق علم الله تعالى أنه لا ينسخه أبدا، علمنا أنه لا يجوز نسخه فنعم، هذا قوله صحيح، وهكذا إباحة الكبش، وتحريم الخنزير، وجميع شرائع الملة الحنيفة المستقرة، لا يجوز نسخ شئ منها أبدا، ولا فرق بين التوحيد وسائر الشرائع في ذلك البتة.
وإن كنت تريد أنه تعالى غير قادر على نسخ التوحيد، أو أنه تعالى قادر على نسخه، والامر بالتثنية أو التثليث، إلا أنه لو فعل ذلك لكان ظلما وعبثا، فاعلم أنك مخطئ ومفتر على الله تعالى، لأنك معجز له متحكم عليه، وقاض بأنك مدبر لخالقك عز وجل، وموقع له تحت رتب وقوانين بعقلك إن خالفها عبث وظلم.
وهذا كلام يؤول إلى الكفر المجرد، والشرك المحض، مع عظيم ما فيه من الجهل والجنون. بل نقول: إن الله عز وجل قادر على أن ينسخ التوحيد، وعلى أن يأمر بالتثنية والتثليث وعبادة الأوثان، وأنه تعالى لو فعل ذلك لكان حكمة وعدلا وحقا، ولكان التوحيد كفرا وظلما وعبثا، ولكنه تعالى لا يفعل ذلك أبدا، لأنه قد أخبرنا أن لا يحيل دينه الذي أمرنا به، فلما أمنا ذلك صار ما تبرأ الله منه كفرا وظلما وعبثا، وصار ما أمر به حقا وعدلا وحكمة فقط.
وليس اعتقادنا التوحيد حقا ولا حكمة بذاته، دون أن يكون لله فيه أمر، ولكن إنما صار حقا وعدلا وحكمة، لان الله تعالى أمر به ورضيه، وسماه حقا وعدلا وحكمة فقط. فهذا دين الله عز وجل الذي نص عليه بأن يفعل ما يشاء وأنه:
* (لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون) * وأنه لو أراد أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء، وهذا هو القول الذي دلت العقول على صحته وبطلان ما عداه لان العقل يشهد أن الله تعالى خلقه، وأنه كان تعالى حقا واحدا أولا، إذ لا نفس حيوانية ولا عقل مركب فيها ولا في غيرها، ولا جوهر ولا عرض، ولا عدد ولا معدود