ومعناه معنى الامر، جاز النسخ فيه مثل قوله تعالى: * (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج) * وفي هذا توجد منا المعصية مثل قوله تعالى: * (مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا) * فإنما هذا أمر لنا بأن نؤمن كل من دخل مقام إبراهيم، وليس هذا خبرا، ولو كان خبرا لكان كذبا لأنه قد قتل الناس حوله ظلما وعدوانا.
قال أبو محمد: وموجود في كل لغة أن يرد الامر بلفظ الخبر، وبلفظ الاستفهام كقول القائل لعبده: أتفعل أمر كذا، أو ترى ما يحل بك؟ وإنما ذلك أن الخبر عن الشئ إيجاب لما يخبر به عنه، والامر إيجاب لفعل المأمور به، فهذا اشتراك بين صيغة الخبر وصيغة الامر، فإذا قال قائل: حق عليك القيام إلى زيد، فهذا خبر صحيح البنية، معناه قم إلى زيد. وكذلك قوله تعالى: * (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) * معناه ليحج الناس منكم من استطاع، وكذلك إذا قال القائل: قد أوجبت عليك القيام إلى زيد، فهذا خبر صحيح البنية، معناه قم إلى زيد، وكذلك قوله تعالى: * (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم) * معناه صوموا، فما كان من الاخبار هكذا فالنسخ فيها جائز، وأما ما كان خبرا مجردا مثل: قام زيد وهذا عمرو، ووقع أمس خطب كذا، وزيد الآن قائم، وغدا يكون أمر كذا، فهو لا يجوز النسخ فيه البتة، لأنه تكذيب لهذا الخبر والله تعالى منزه عن الكذب بإخباره تعالى أن قوله الحق، وبقوله تعالى: * (فالحق والحق أقول) * وهو موصوف بأنه ينسخ ويحيل ويبدل الأمور بقوله تعالى: * (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) * وبقوله تعالى: * (تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء ونذل من تشاء) * وبقوله تعالى: * (يضل من يشاء ويهدى من يشاء) * بإخباره تعالى أنه كل يوم في شأن وقد اختلف أ صحابنا في بعض الأوامر، أيجوز فيها النسخ أم لا، فقالوا: كل ما علم بالعقل فيجوز أن ينسخ مثل التوحيد وشبهه.
قال أبو محمد: وهذا فاسد من القول، لأنه مجمل لما لا يجوز مع ما لا يجوز ولكن يسأل قائل هذا القول، فيقال: ما أردت بقولك لا يجوز نسخ التوحيد؟ فإن كنت تريد أنه بعد أن أعلمنا الله تعالى أنه لا ينسخ هذا الدين أبدا لا يجوز تبديله،