وهذا لا ينكره نحوي ولا لغوي أصلا، إذا كان على الوجه الذي ذكرناه.
قال علي: والبرهان القاطع في ذلك قوله تعالى: * (فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس) *، وقال تعالى: * (وإذا قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه) * فلم يدع تعالى للشك ههنا مجالا إلا بينه، وأخبر أن إبليس كان من الجن، وقد حمل التهور قوما راموا نصر مذهبهم ههنا فقالوا: إن الملائكة يسمون جنا لاجتنانهم.
قال علي: وهذا قول فاحش من وجوه، أحدها وأوضحها قول الله عز وجل إذ سأل الملائكة: * (أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون) * فقالت الملائكة: * (سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن) * ففرق تعالى بين الملائكة والجن فرقا كما ترى، والوجه الثاني إخباره عليه السلام: إن الملائكة خلقت من نور والجن خلقت من نار، ففرق بين النوعين فرقا من خالفه كفر.
حدثنا عبد الله بن يوسف، عن أحمد بن فتح، عن عبد الوهاب بن عيسى، عن أحمد بن محمد، عن أحمد بن علي، عن مسلم بن الحجاج، عن عبد بن حميد، عن عبد الرزاق عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم.
والثالث إجماع الأمة على أن من سمى جبريل أو ميكائيل جنيا فقد كفر، فقد ظهر بطلان هذا القول الفاسد، وكان أقصى ما احتج له القائلون به أن قالوا: الاجتنان هو الاستتار، ومن ذلك يسمى المجن مجنا، والجنة جنة، فالملائكة والجن مستترون عنا فهم جن.
قال علي: وهذا هذيان لبعض أهل اللغة، وفي كل قوم جنون، فلو أن عاكسا عكس عليهم فقال: ما اشتقا الاجتنان الذي هو الاستتار إلا من الجن، بماذا كانوا ينفصلون؟ وأيضا فيقال لهم حتى لو صح قولكم: إن الجن اشتقوا من الاجتنان فمن أي شئ اشتق الاجتنان؟ فإن جروا هكذا إلى غير غاية، وهذا يوجب أشياء موجودات لا أوائل لها، ولا نهاية لعددها، وهذا محال ممتنع، وموافقة أهل الكفر، وإن قالوا: ليس للفظ الذي اشتق منه اشتقاق، قيل لهم: فما الذي