وهذه النصوص التي أوردناها هي قرآن منزل، أو أثر في غاية الصحة منقول نقل التواتر، وكلاهما في غاية البيان، فالأقل في الدين هم أهل الحق، وأن أكثر الناس على ضلال وعلى جهل، وأن الواحد قد يكون هو المصيب، وجميع الناس هم على باطل، لا تحتمل هذه النصوص شيئا غير هذا البتة، فلو صحت تلك الآثار التي قدمنا، لوجب ضرورة أنها ليست في الدين، لكن في شئ آخر، وبالضرورة تدري أنها ليست على عمومها، لان انفراد الرجل وحده في بيته غير منكر:
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يرحم الله أبا ذر يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده.
وبرهان كاف قاطع لكل من له أقل فهم في أنه صلى الله عليه وسلم لم يرد قط بالجماعة المذكورة كثرة العدد لا يشك في ذلك، لان النصارى جماعة واليهود جماعة، والمجوس وعباد النار جماعة، أفترونه صلى الله عليه وسلم أراد هذه الجماعات؟ حاشا لله من هذا، فإن قالوا: إنما أراد جميع المسلمين، قلنا: فإن المنتمين إلى الاسلام فرق، فالخوارج جماعة، والروافض جماعة، والمرجئة جماعة، والمعتزلة جماعة، أفترونه عليه السلام أراد شيئا من هذه الجماعات؟ حاشا له من ذلك. فإن قالوا: إنما أراد أهل السنة، قلنا: أهل السنة فرق، فالحنفية جماعة، والمالكية جماعة، والشافعية جماعة، وأصحاب الحديث الذين لا يتعدونه جماعة فأي هذه الجماعات أراد صلى الله عليه وسلم؟ وليس بعضها أولى بصحة الدعوى من بعض، فصح يقينا قطعا كما أن الشمس طالعة من مشرقها أنه عليه السلام لم يرد قط إلا جماعة أهل الحق، وهم المتبعون للقرآن، ولما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من بيانه للقرآن بقوله وفعله. وهذه هي طريق جميع الصحابة رضي الله عنهم، وخيار التابعين من بعدهم، حتى حدث التقليد المهلك، فإذا لا شك في كل هذا، وقد بينا أن أمره عليه السلام بلزوم الجماعة، إنما أراد يقينا أهل الحق، وإن كانوا أقل من أهل الباطل بلا شك، لم يرد كثرة العدد قط.
فلنتكلم بعون الله تعالى وقوته على ما في تلك الآثار، من أن الشيطان مع الفذ أو الواحد، وهو من الاثنين أبعد. وقد أوضحنا بما لا إشكال فيه، أنه عليه السلام لم يرد بذلك الدين، بما لو أوردنا آنفا من النصوص، وببرهان آخر، وهو قوله: