يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) * ولقد أعاذهم الله من هذا، فبطل ضرورة ما ادعوه من إجماع أهل المدينة.
وأيضا فإن الاجماع لا يصح نقله إلا بإجماع مثله، أو بنقل تواتر، وهم يرجعون في دعواهم الكاذبة لاجماع أهل المدينة إلا إلى إنسان واحد، وهو مالك، فهو نقل واحد كنقل غيره من العلماء ولا فرق.
وأيضا فيقال لهم: أخبرونا هل خص رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبليغ أحكام الدين أو بعضها أو حكم واحد منها - المقيمين بالمدينة من الصحابة رضي الله عنهم عمن علم الله عز وجل أنهم سيخرجون عن المدينة. فإن قالوا: نعم كفروا وكذبوا، إذ جعلوه صلى الله عليه وسلم كتم شيئا من الدين عمن يلزمه من علم الديانة كالذي يلزم غيره، وصاروا إلى أقوال الروافض من كثب، وإن قالوا: لا، ثبت أن السنن هي بيان الدين في غير المدينة كما هي في المدينة ضرورة ولا فرق.
وأيضا فإن من بقي بالمدينة من الصحابة رضي الله عنهم، كانوا يجاهدون ويحجون، ومن خرج عن المدينة منهم كانوا يفدون على عمر وعثمان فقد وجب التداخل بينهم. وهكذا صحت الآثار بنقل التابعين من سائر الأمصار عن أهل المدينة، وبنقل التابعين من أهل المدينة ومن بعدهم عن أهل الأمصار فقد صحب علقمة ومسروق وعمر وعثمان وعاشية أم المؤمنين، واختصوا بهم وأكثروا الأخذ عنهم. وكذلك صحب عطاء عائشة أم المؤمنين وصحب الشعبي وابن سيرين بن عمر، وصحب قتادة بن المسيب، وأخذ الزهري عن أنس، وأخذ مالك عن أيوب وحميد المكي، وأخذ عبيد الله بن عمر، عن ثابت البناني، وأخذ عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس. وأخبرني يوسف بن عبد الله النمري قال: نا عبد الوارث بن حسرون، نا قاسم بن أصبغ، نا أحمد بن زهير بن حرب، نا أحمد بن حنبل، نا عبد الرحمن بن مهدي، سمعت مالك بن أنس يقول: قال سعيد بن المسيب، إن كنت لأسير الأيام والليالي في طلب الحديث الواحد، فاستوى الامر في المدينة وغيرها بلا شك.
وأيضا فنقول لهم: هل تعمد عمر وعثمان رضي الله عنهما أن يبعثا من يعلم أهل البصرة والكوفة والشام ومصر دينهم وأحكامهم أم أغفلا ذلك وضيعاه؟