قال أبو محمد: ولئن كان ما اشتهر من قول طائفة من الصحابة أو التابعين، ولم يعرف له خلاف - إجماعا فيما في الأرض أشد خلافا للاجماع ممن قلدوه دينهم مالك والشافعي، وأبي حنيفة، ولقد أخرجنا لهم مئين من المسائل ليس منها مسألة إلا ولا يعرف أحد قال بذلك القول قبل الذي قال من هؤلاء الثلاثة فبئس ما وسموا به من قلدوه دينهم.
وقد ذكر محمد بن جرير الطبري أنه وجد للشافعي أربعمائة مسألة خالف فيها الاجماع. وهكذا القول حرفا حرفا في أقوال ابن أبي ليلى، وسفيان والأوزاعي وزفر وأبي يوسف ومحمد بن الحسن والحسن بن زيادة وأشهب وابن الماجشون والمزني وأبي ثور وأحمد وإسحاق وداود ومحمد بن جرير، ما منهم أحد إلا وقد صحت عنه أقوال في الفتيا لا يعلم أحد من العلماء قالها قبل ذلك القائل ممن سمينا.
وأكثر ذلك فيما لا شك في انتشاره واشتهاره.
ثم ليعلموا أن كل فتيا جاءت عن تابع لم يرو عن صاحب في تلك المسألة قول، فإن ذلك التابع قال فيها بقول، ولا يعرف أن أحدا قاله، فالتابعون على هذا القول الخبيث مخالفون للاجماع كلهم أو أكثرهم، ومخالف الاجماع عند هؤلاء الجهال كافر، فالتابعون على قولهم كفار، ونعوذ بالله العظيم من كل قول أدى إلى هذا.
واعلموا أن الذي يدعي ويقطع بدعوى الاجماع في مثل هذا، فإنه من أجهل الناس بأقوال الناس واختلافهم. وحسبنا الله ونعم الوكيل، فظهر كذب من ادعى أن ما لا يعرف فيه خلاف فهو إجماع، وبالله تعالى التوفيق.
وأعجب شئ في الدنيا أنهم يدعون في مثله هذا أنه إجماع، ثم يأتون إلى الاجماع الصحيح المقطوع به المتيقن، فيخالفونه جهارا، وهو: أنه لا شك عند أحد من أهل العلم أنه لم يكن قط في عصر الصحابة رضي الله عنهم أحد أتى إلى قول صاحب أكبر منه، فأخذ به كله، ورد لقوله نصوص القرآن وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعل يحتال لنصره بكل ما أمكنه من حق أو باطل أو مناقضة.
ثم لا شك عند أحد من أهل العلم في أنه لم يكن قط في عصر التابعين أحد أتى إلى قول تابع أكبر منه، أو إلى قول صاحب فأخذ به كله، كما ذكرنا، ثم لا خلاف بين أحد من أهل العلم في أنه لم يكن في القرن الثالث أحد أتى إلى