هذا مكان ذكرها، لان كلامنا في هذا الكتاب إنما هو على الأصول الجامعة لقضايا الاحكام، لا لبيان أفضل البلاد، وقد تقصينا تلك الأخبار في كتابنا المعروف بالايصال في آخر كتاب الحج منه، وتكلمنا على بيان سقوط ما سقط منها، ووجه ما صح منها بغاية البيان، والحمد لله رب العالمين.
وبجمع ذلك أنهم قالوا: المدينة مهبط الوحي ودار الهجرة، ومجتمع الصحابة، ومحل سكنى النبي صلى الله عليه وسلم، وأحكامها فأهلها أعلم بذلك ممن سواهم، وهم شهداء آخر العمل من النبي صلى الله عليه وسلم وعرفوا ما نسخ وما لم ينسخ.
ثم اختلفوا فقالت طائفة منهم: إنما إجماعهم إجماع وحجة، فيما كان من جهة النقل فقط، وقالت طائفة منهم: إجماعهم إجماع وحجة، من جهة النقل كان أو من جهة الاجتهاد، لأنهم أعلم بالنصوص التي منها يستنبط وعليها يقاس، فإذا هم أعلم بذلك، فاستنباطهم وقياسهم أصح من قياس غيرهم واستنباط غيرهم.
وقالوا: من المحال أن يخفى حكم النبي صلى الله عليه وسلم على الأكثر، وهم الذين بقوا بالمدينة، ويعرفه الأقل، وهم الخارجون عن المدينة، مع شغلهم بالجهاد، وذكروا قول عبد الرحمن بن عوف لعمر بن الخطاب رضي الله عنهم - إذ أراد أن يقوم بالموسم الذي بلغه من قول القائل: لو قد مات عمر لقد بايعنا فلانا، فقال عمر: لأقومن بالعشية فلأحذرن الناس من هؤلاء الرهط يريدون يغصبونهم. فقال عبد الرحمن: فقلت: يا أمير المؤمنين لا تفعل فإن الموسم يجمع رعاع الناس، ويغلبون على مجلسك، فأخاف أن ألا ينزلوها على وجهها فيطيروا بها كل مطير، فأمهل حتى تقدم المدينة دار الهجرة ودار السنة، فتخلو بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار، ويحفظون مقالتك، وينزلوها على وجهها.
نا بهذا عبد الرحمن بن عبد الله نا إبراهيم بن أحمد، حدثنا الفربري، نا البخاري، نا موسى بن إسماعيل، نا عبد الواحد، نا معمر عن الزهري، عن عبيد الله بن عتبة، قال:
حدثني ابن عباس، قال: قال لي عبد الرحمن بن عوف: لو شهدت أمير المؤمنين أتاه رجل فقال له: إن فلانا يقول: لو قد مات عمر فبايعنا فلانا، ثم ذكر نصه كما أوردنا.