قال أبو محمد: هذا كل ما شغبوا به، وكله لا حجة لهم في شئ منه، على ما تبين إن شاء الله عز وجل.
أما دعواهم أن المدينة أفضل البلاد، فدعوى قد بينا إبطالها في غير هذا المكان، وبينا أن مكة أفضل البلاد بنص القرآن، والسنن الثابتة، وأقوال الصحابة رضي الله عنهم، وليس هذا مكان الكلام في ذلك، لكن نقول لهم: هبكم أنه كما تقولون، وليس كذلك، فأي برهان في كونها أفضل البلاد على أن إجماع أهلها هو الاجماع؟ ألا يستحي من يدري أن كلامه مكتوب وأنه محاسب به بين يدي الله عز وجل، من أن يموه هذا التمويه البارد، ونحن نقول: إن مكة أفضل البلاد، وليس ذلك بموجب اتباع أهلها دون غيرهم، ولا أن إجماعهم دون إجماع غيرهم، ولا أنهم حجة على غيرهم، إذ ليس فضل البقعة موجبا لشئ من ذلك.
وأيضا فإنه لا يختلف مسلمان في أنه قد كان في المدينة منافقون، وهم شر الخلق، قال تعالى: * (ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم) * وقال تعالى: * (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار) *. وكان فيها فساق كما في سائر البلاد، وزناة وكذابون وشربة خمور وقذفة كما في سائر البلاد ولا فرق، وأهلها اليوم - وإنا لله وإنا إليه راجعون - غلاة الروافض الكفرة، أفترون لهؤلاء فضلا يوجب اتباعهم من أجل سكناهم المدينة؟ فمن قولهم: لا لكن إنما توجب الحجة بالفضلاء غير هم من أهل المدينة، قلنا لهم: ومن أين خصصتم فضلاء المدينة دون فضلاء غيرهم من البلاد؟ وهذا ما لا سبيل إلى وجود برهان على صحته أبدا. وأيضا فالمدينة فضلها باق بحسبه، كما كان لم يتغير ولا يتغير أبدا، وأهلها أفسق الناس، فقد بطل أن تكون للبقعة حكم في وجوب اتباع أهلها، وصح أن الفاضل فاضل حيث كان، والفاسق فاسق حيث كان.
وأما قولهم: إن أهل المدينة أعلم بأحكام رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن سواهم، فهو كذب وباطل، وإنما الحق أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم العالمون بأحكامه صلى الله عليه وسلم سواء بقي منهم من بقي بالمدينة أخرج منهم من خرج، لم يزد الباقي بالمدينة بقاؤه فيها درجة في علمه وفضله، ولاحظ