قال أبو محمد: فهذا ابن عباس بأصح إسناد عنه، لا يلتفت إلى الناس ولا إلى ما اشتهر عندهم، وانتشر من الحكم بينهم، إذا كان خلافا لحكم الله تعالى.
في مثل هذا يدعي من لا يبالي بالكذب الاجماع، وبه إلى سعيد بن منصور، نا سفيان بن عيينة، عن عبد الله بن أبي زيد. أنه سمع ابن عباس يقول في قول الله عز وجل: * (ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم) * قال ابن عباس: لم يؤمن بهذه الآية أكثر الناس، وإني لآمر هذه أن تستأذن علي - يعني جارية له.
قال أبو محمد: وهذا كالذي قبله، نا يحيى بن عبد الرحيم، نا أحمد بن دحيم، نا إبراهيم بن حماد، نا إسماعيل بن إسحاق، نا علي بن المديني، نا سفيان بن عيينة، نا مصعب بن عبد الله بن الزبير، عن أبي مليكة، عن ابن عباس. قال: أمر ليس في كتاب الله عز وجل، ولا في قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وستجدونه في الناس كلهم - ميراث الأخت مع البنت. فهذا ابن عباس لم ير الناس كلهم حجة على نفسه، في أن يحكم بما لم يجد في القرآن ولا في السنة. نا عبد الله بن يوسف، نا أحمد بن فتح، نا عبد الوهاب، نا أحمد بن محمد، نا محمد بن علي، نا مسلم بن الحجاج، نا يحيى بن يحيى. قال: قرأت على مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن عبيد بن جريج أنه قال لعبد الله بن عمر: يا أبا عبد الرحمن رأيتك تصنع أربعا لم أر أحدا من الصحابة يصنعها. فقال: وما هن يا ابن جريج؟ قال: رأيتك لا تمس من الأركان إلا اليمانيين، ورأيتك تلبس النعال السبتية، ورأيتك تصبغ بالصفرة، ورأيتك إذا كنت بمكة أهل الناس إذا رأوا الهلال ولم تهل أنت حتى يكون يوم التروية. فقال له ابن عمر، أما الأركان فإني لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يمس إلا اليمانيين، وأما النعال السبتية، فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس النعال التي ليس فيها شعر، ويتوضأ فيها، فأنا أحب أن ألبسها، وأما الصفرة فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها، فأنا أحب أن أصبغ، بها وأما الاهلال فإني لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل حتى تنبعث به راحلته.
قال أبو محمد: فهذا ابن عمر رضي الله عنه - بأصح إسناد إليه - لم ينكر مخالفته لجميع أصحابه فيما اقتدى فيه برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أنكر على ابن جريج إخباره بأن أصحابه يخالفونه، فصح أنه لم ير أصحابه كلهم قدوة فيما وافق