وحدانية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الحق الذي لا يسع أحدا القصد إلى خلافه.
قال أبو محمد: ثم هذا أبو حنيفة يقول: ما جاء عن الله تعالى فعلى الرأس والعينين، وما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعا وطاعة، وما جاء عن الصحابة رضي الله عنهم، تخيرنا من أقوالهم ولم نخرج عنهم، وما جاء عن التابعين، فهم رجال ونحن رجال، فلم ينكر عن نفسه مخالفة التابعين، وإنما لم ير الخروج عن أقوال الصحابة توقيرا لهم. وهذا مالك: يفتي بالشفعة في الثمار ويقول - إثر فتياه به - وإنه لشئ ما سمعته ولا بلغني أن أحد قاله: فهذا مالك لم ير القول بما لم يسمع عن أحد قال به خلافا للاجماع، كما يدعي هؤلاء الذين لا معنى لهم، وهذا الشافعي يقول في رسالته المصرية، ما لا يعلم فيه خلاف فليس إجماعا.
قال حمام بن أحمد، ويحيى بن عبد الرحمن بن مسعود قال حمام: نا عباس بن أصبغ، وقال يحيى: نا أحمد بن سعيد بن حزم، ثم اتفق عباس وأحمد قالا جميعا، نا محمد بن عبد الملك بن أيمن، نا عبد الرحمن بن حنبل، قال: سمعت أبي يقول: ما يدعي فيه الرجل الاجماع هو الكذب، من ادعى الاجماع فهو كذاب لعل الناس قد اختلفوا ما بد به؟ ولم ينتبه إليه فليقل: لا نعلم الناس اختلفوا، دعوى بشر المريسي والأصم، ولكن يقول: لا نعلم الناس اختلفوا، أو لم يبلغني ذلك.
قال أبو محمد: صدق أحمد ولله دره، وبئس القدوة بشر بن عتاب المريسي، وعبد الرحمن بن كيسان الأصم، ولعمري إنهما لمن أول من هجم على هذه الدعوى، وهما المرءان يرغب قولهما، نا يوسف بن عبد الله النمري، نا عبيد الله بن محمد، نا الحسن بن سلمون، نا عبد الله بن علي بن الجارود، نا إسحاق بن منصور، قال: سمعت إسحاق بن إبراهيم - هو ابن راهويه وقد ذكر له قول أحمد بن حنبل في مسألة فقال إسحاق: أجاد، لقد ظننت أن أحدا لا يتابعني عليها، فهذا إسحاق لا ينكر القول بما يقع في تقديره أنه لا يتابعه أحد عليه، إذا رأى الحق فيما قاله به من ذلك.
قال أبو إسحاق: فهؤلاء الصحابة والتابعون، ثم أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وداود، كلهم يوجب القول بما أداه إليه اجتهاده أنه الحق، وألا يعلم قائلا به قبله، فبمن تعلق هؤلاء القوم؟ ليت شعري بل بالمريسي والأصم، كما قال أحمد رحمه الله.