قاله غير عالم لم يكن ذلك إجماعا. قلنا لهم: قد نزلتم درجة وسؤالنا باق لذلك العالم بحسبه، كما أوردناه سواء بسواء، فإن قالوا: بل يمكن أن يكون في ذلك خلاف لم يبلغ ذلك العالم، قلنا: فقد أقررتم بالكذب، إذ قطعتم بأنه إجماع وجوزتم مع ذلك أن يكون الخلاف فيه موجودا.
فإن قالوا: بل يمكن أن يكون في ذلك خلاف قلنا: ومن أين لكم بأن ذلك لعالم أحاط بجميع أقوال أهل الاسلام؟ ونحن نبدأ لكم بالصحابة رضي الله عنهم فنقول: بالضرورة ندري يقينا لا مرية فيه بأنهم كانوا عشرات ألوف فقد غزا صلى الله عليه وسلم حنينا في اثني عشر ألف إنسان، وغزا تبوك في أكثر من ذلك، وحج حجة الوداع في أضعاف ذلك، ووفد عليه من كل بطن من بطون قبائل العرب وفودا أسلموا وسألوه عن الدين، وأقرأهم القرآن، وصلوا معه، كلهم يقع عليه اسم الصحابة. ولقد تقصينا من روى عنه فتيا في مسألة واحدة فأكثر، فلم نجدهم إلا مائة وثلاثة وخمسين، بين رجل وامرأة فقط، مع شدة طلبنا في ذلك وتهممنا وليس منهم مكثرون إلا سبعة فقط وهم: عمر وابنه عبد الله، وعلي وابن عباس وابن مسعود وأم المؤمنين عائشة وزيد بن ثابت، والمتوسطون فهم ثلاثة عشر فقط، يمكن أن يوجد في فتيا كل واحد منهم جزء صغير. فهؤلاء عشرون فقط، والباقون مقلون جدا، فيهم من لم يرو عنه إلا فتيا في مسألة واحدة فقط، ومنهم في مسألتين وأكثر من ذلك، يجتمع من فتيا جميعهم جزء واحد، هو إلى أصغر أقرب من الكبر، أفترى سائرهم لم يفت ولا مسألة؟
إلا هذا والله هو الكذب البحت والإفك والبهت، ثم ما قد نص الله تعالى في قرآنه من أن طوائف من الجن أسلموا. قال: * (قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا) * وقال تعالى حاكيا عنهم أنهم قالوا: * (وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك) * وأنهم قالوا: * (وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا) *.
وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم بأنه أخبر بأن وفدا من الجن أتوه وأسلموا وبايعوه وعلمهم القرآن، فصح أن منهم مسلمين صالحين راشدين من خيار