فعارضه المخالف فقال: إن الامر وإن كان كذلك، فمع ذلك فقد كان يمكن أن يخالف الوحي متأولا باجتهاده كما فعل عمر وخالد وأبو السنابل وغيرهم، فإن لم يعتد هذا خلافا، لأنه وهم من صاحبه، فلا يعتبر خلاف أحد من أهل الاسلام للنص - إذا خالفه متأولا باجتهاده - لان كل مسلم كان أو يكون فإنه مسلم لما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكم به، وإن خالف بعد ذلك متأولا باجتهاده مخطئا، قاصدا إلى الخير في تقديره فقد صار على هذا القول كل حكم إجماعا وبطل الاختلاف.
قال أبو محمد: وهذا اعتراض غير صحيح، ولا يمنع مما أوجبه أبو سليمان من أن من بعد الصحابة إنما هم بعض المؤمنين - لا كلهم لان كل حكم نزل من الله تعالى بعد موت من مات من الصحابة رضي الله عنهم، فلم يكلفوا قط ألا يخالفوا فقط أن لا يخالفوا ذلك الحكم، لأنه لم يبلغهم، وإنما يلزمهم الحكم بعد بلوغه. قال الله عز وجل: * (لأنذركم به ومن بلغ) * وإنما كان يراعي إجماعهم عليه، أو خلافهم له لو بلغهم، وليس من بعدهم - إذا بلغ الحكم - كذلك، بل إن اتبعوه لقد أجمعهم عليه، ومن خالفه منهم مجتهدا فقد وجب الاختلاف في ذلك الحكم.
وأما قوله: إن عد الصحابة رضي الله عنهم كان محصورا، ممكنا جمعه وممكنا ضبط أقوالهم، وليس كذلك من بعدهم، فإنما كان هذا إذا كانوا كلهم بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل تفرقهم في البلاد، وأما بعد تفرقهم فالحال في تعذر حصر أقوالهم كالحال فيمن بعدهم سواء ولا فرق، هذا أمر يعرف بالمشاهدة والضرورة.
قال أبو محمد: وأما من قال: إن إجماع أهل كل عصر فهو إجماع كل صحيح، فقول الباطل لما ذكرنا من أنهم بعض المسلمين لا كلهم، لكنه حق لما ذكرنا قبل من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه لا تزال طائفة من أمتي على الحق إلى أن يأتي أمر الله.
قال أبو محمد: ونحن - إن شاء الله - مبينون كيفية الاجماع بيانا ظاهرا يشهد له الحس والضرورة، وبالله تعالى التوفيق. فنقول: إن الاجماع - الذي هو الاجماع المتيقن ولا إجماع غيره - لا يصح تفسيره ولا ادعاؤه بالدعوى، لكن ينقسم قسمين: أحدهما: كل ما لا يشك فيه أحد من أهل الاسلام، في أن من لم يقل به فليس مسلما، كشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله: وكوجوب