لهم من الدين ما لم يأذن به الله) *.
قال أبو محمد: ومن طريق النظر الضروري الراجع إلى العقل والمشاهدة والحس أننا نسأل من أجاز أن يجمع علماء المسلمين على ما لا نص فيه فيكون حقا لا يسع خلافه، فنقول له، وبالله تعالى التوفيق: أفي الممكن عندك أن يجتمع علماء جميع الاسلام في موضع واحد، حتى لا يشذ عنهم منهم أحد بعد افتراق الصحابة رضي الله عنهم في الأمصار؟ أم هذا ممتنع غير ممكن البتة؟ فإن قال: هذا ممكن، كابر العيان، لان علماء أهل الاسلام قد افترق الصحابة رضي الله عنهم في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليوم وهلم جرا لم يجتمعوا مذ أن افترقوا، فصار بعضهم في اليمن في مدنها، وبعضهم في عمان، وبعضهم في البحرين، وبعض في الطائف وبعض بمكة، وبعض بنجد. وبعض بجبل طيئ، وكذلك في سائر جزائر العرب. ثم اتسع الامر بعده عليه السلام، فصاروا من السند وكابل، إلى مغارب الأندلس، وسواحل بلاد البربر، ومن سواحل اليمن إلى ثغور أرمينية، فما بين ذلك من البلاد البعيدة واجتماع هؤلاء ممتنع غير ممكن أصلا لكثرتهم وتنائي أقطارهم.
فإن قال: ليس اجتماعهم ممكنا، قلنا: صدقت. وأخبرنا الآن كيف الامر إذا قال بعضهم قولا لا نص فيه، أتقطع على أنه حق، وأنت لا تدري أيجمع عليه سائرهم أم لا؟ أم تقف فيه؟ فإن قال: أقطع بأنه حق، قلنا:
حكمت بالغيب وبما لا تدري، وحكمت بالباطل بلا شك، فإن قال: بل أقف فيه حتى يجمع عليه سائرهم قلنا: فإنما يصح إذ قال به آخر قائل منهم، فلا بد من نعم فيقال لهم: فلو خالفهم فعلى قولك لا يكون حقا، فمن قوله نعم فيقال له: فكيف يكون حقا ما يمكن أمس أن يكون باطلا، وهذا حكم على الله تعالى، وليس هذا حكم الله وكفى بهذا بيانا.
وأيضا فإن اليقين قد صح بأن الناس مختلفون في هممهم، واختيارهم وآرائهم وطبائعهم الداعية إلى اختيار ما يختارونه، وينفرون عما سواه، متباينون في ذلك تباينا شديدا متفاوتا جدا فمنهم رقيق القلب يميل إلى الرفق بالناس، ومنهم قاسي القلب شديد يميل إلى التشديد على الناس، ومنهم قوي على العمل مجد إلى العزم والصبر والتفرد، ومنهم ضعيف الطاقة يميل إلى التخفيف، ومنهم جانح إلى