رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أوجبه، وكل هذه الوجوه كفر مجرد وإحداث دين بدل به دين الاسلام، ولا فرق بين هذه الوجوه، وبين من جوز الاجماع على إسقاط الصلوات الخمس أو بعضها أو ركعة منها، أو على إيجاب صلوا ت غيرها أو ركوع زائدة فيها، أو على إبطال صوم رمضان أو على إيجاب صوم شهر رجب، أو على إبطال الحج إلى مكة، أو على إيجابه إلى الطائف، أو على إباحة الخنزير، أو على تحريم الكبش، كل هذا كفر صراح لا خفاء به. فإن قالوا: كل هذه نصوص، وإنما جوزنا الاجماع على ما لا نص فيه، قلنا: وكل ما ذكرنا لا نص فيه، وإنما هي شرائع زائدة في دين الله تعالى أو ناقصة منه هذه صفة ما لا نص فيه لا سبيل إلى أن يكون حكم لا نص فيه يخرج من أحد هذين الوجهين. فإن قالوا: هذا لا يجوز، رجعوا إلى قولنا من قرب، ومن أجاز شيئا من هذا كفر، وبالله تعالى التوفيق. وهذا أيضا برهان قاطع في إبطال القول بالقياس بالرأي والاستحسان لا مخلص منه.
واعلموا أن قولهم: هذه المسألة لا نص فيها، قول باطل، وتدليس في الدين، وتطريق إلى هذه العظائم، لان كل ما يحرمه الله تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم إلى أن مات صلى الله عليه وسلم فقد حلله بقوله تعالى: * (خلق لكم ما في الأرض جميعا) * وقوله: * (قد فصل لكم ما حرم عليكم) * وكل ما لم يأمر به عليه السلام فلم يوجبه، وهذه ضرورة لا يمكن أن يقوم في عقل أحد غيرها، وأما كل ما نص يأمر به صلى الله عليه وسلم بالامر به أو النهي عنه فقد حرمه أو أوجبه فلا يحل لاحد مخالفته، فصح أنه لا شئ إلا وفيه نص جلي فصح أنه لا إجماع إلا على نص، ولا اختلاف إلا في نص كما ذكرنا، ولا قياس يوجب في نص إلا وهو زائد في الدين أو ناقص منه ولا بد.
ثم نقول لهم أيضا: أخبرونا عن الاجماع جملة، هل يخلو من أحد ثلاثة أوجه لا رابع لها بضرورة العقل؟ أما أن يجمع الناس على ما لا نص فيه كما ادعيتم فقد أريناكم بطلان ذلك، وأنه محال ذلك وأنه محال وجوده لصحة وجود النصوص في كل شئ من الدين أو يكون إجماع الناس على خلاف النص الوارد من غير نسخ أو تخصيص له وردا قبل موت رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا كفر مجرد كما قدمنا.