لين العيش يميل إلى الترفيه، ومنهم مائل إلى الخشونة مجنح إلى الشدة، ومنهم معتدل في كل ذلك إلى التوسط، ومنهم شديد الغضب يميل إلى شدة الانكار، ومنهم حليم يميل إلى الاغضاء، ومن المحال اتفاق هؤلاء كلهم على إيجاب حكم برأيهم أصلا، لاختلاف دعاويهم ومذاهبهم فيما ذكرنا، وإنما يجمع ذو الطبائع المختلفة على ما استووا فيه من الادراك بحواسهم، وعلموه ببدائة عقولهم فقط، وليست أحكام الشريعة من هذين القسمين فبطل أن يصح فيها إجماع على غير توقيف، وهذا برهان قاطع ضروري. وأما الاجماع على القياس، فيبطل من قرب، لأنهم لم يجمعوا على صحة القياس، فكيف يجمعون على ما لم يجمعوا عليه.
قال أبو محمد: فاعترض فيها بعض المخالفين فقال: قد اختلف الناس في القول بخبر الواحد، وقد أجمع على بعض ما جاء به خبر الواحد.
قال أبو محمد: وهذا باطل ومخرقة ضعيفة، لان المسلمين لم يختلفوا قط في وجوب طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما اختلفوا في الطريق المؤدية إليه صلى الله عليه وسلم والذين لا يقولون بخبر الواحد. ثم أجمعوا على حكم ما جاء من أخبار الآحاد - فإنهم يقولون: إنما قلنا به لأنه نقل كافة، لا لأنه خبر واحد. فإن قلتم: إن من القياس ما يوافق النص، قلنا لكم: المتبع حينئذ إنما هو النص ولا نبالي وافقه القياس أو خالفه، فلم نتبع القياس قط وافق النص أو خالفه، وكذلك لا يجوز الاجماع على قول إنسان دون النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لا أحد بعده إلا وقد خالفه طوائف من المسلمين في كثير من قوله. وأيضا فإن كان من بعده عليه السلام فممكن أن يصيب وأن يخطئ، فاتباع خطأ من أخطأ باطل وأما صواب المصيب في الدين، فإنما هو باتباع النص، فالنص هو المتبع حينئذ لا قول الذي اتبع النص، وإنما يجب اتباع النص سواء وافقه الموافق أو خالفه المخالف.
وأيضا فإنه يقال لمن أجاز الاجماع على غير نص من قرآن أو سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبرونا عما جوزتم من الاجماع - بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على غير نص، هل يخلو من أربعة أوجه لا خامس لها؟ إما أن يجمعوا على تحريم شئ مات صلى الله عليه وسلم ولم يحرمه، أو على تحليل شئ مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد حرمه، أو على إيجاب فرض مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يوجبه أو على إسقاط فرض مات