____________________
وحاصل البرهان: انه لابد من المسانخة الذاتية بين المعلول والعلة وإلا لجاز ان يصدر كل شيء من كل شيء، ومن الواضح انه لا يعقل ان تصدر البرودة من النار ولا الحرارة من الثلج. ومن جملة أنواع المسانخة الوحدة والكثرة، فالعلة الواحدة لابد وأن يكون معلولها واحدا، لأن فرض كون العلة واحدة ان فيها جهة واحدة للعلية، فمن أين يصدر المعلول الآخر الذي لابد له من جهة أخرى غير تلك الجهة التي اقتضت صدور ذلك المعلول؟ وكذلك المعاليل الكثيرة لابد لها من جهات متعددة فلا يعقل صدور الكثير عن الواحد، فالغرض الواحد المترتب على هذه الطبايع المتعددة لابد وان يترتب عليها لجامع واحد، وذلك الواحد هو المؤثر في الغرض، ففي الحقيقة يكون الواجب هو ذلك الجامع الواحد المترتب عليه ذلك الغرض الواحد، وحينئذ يرجع التخيير الشرعي إلى التخيير العقلي وتكون هذه الطبايع المتعددة كافراد طبيعة واحدة. والفرق بينهما هو ان انطباق المأمور به في الطبيعة الواحدة المأمور بها لا يحتاج إلى تنبيه من الشارع لمعرفة افرادها المحصلة لها، بخلاف الواجب التخييري فان المحصل للمؤثر في الغرض لابد من التنبيه عليه من الشارع إذ لا سبيل للعقل للاهتداء اليه، فلا يوكل اليه التطبيق فيها إلى العقل كما يوكل اليه التطبيق في الطبيعة الواحدة ذات الافراد، وقد أشار إلى أن الغرض إذا كان واحدا لابد وأن يكون المؤثر فيه واحدا بقوله: ((لوضوح ان الواحد لا يكاد يصدر من الاثنين بما هما اثنان)) وقد أشار إلى برهانه بقوله: ((لاعتبار نحو من السنخية... إلى آخره)).