للآخر، لكن لا وجود لشئ منهما في الخارج استقلالا، وإنما الموجود هناك منشأ انتزاع الأمرين. فالطبيعتان المفروضتان متحدتان بحسب الوجود الخارجي التبعي نظرا إلى اتحاد ما ينتزعان منه، ولما عرفت أن المكلف به هو إيجاد الماهية وترك إيجاده لزم اجتماع المتنافيين في تكليفه بإيجاد منشأ انتزاع الأمرين وتركه له. ألا ترى أنه لو قال " ايتني بواحد من القوم ولا تأتني بالفاسق " لم يمكن إبقاء التكليفين على إطلاقهما، فإن المأمور بالإتيان به والمنهي عنه بحسب الحقيقة إنما هو من ينتزع منه الوصفان المذكوران، لا مجرد الإتيان بالواحد من حيث إنه واحد. ومفهوم الفاسق من حيث هو، فمجرد تغاير الوحدة للفسق بحسب الاعتبار لا ينفع في المقام مع اتحادهما في الخارج بحسب ما ينتزعان منه.
ويرد عليه: أن منشأ انتزاع الأمرين المذكورين وإن كان أمرا واحدا في الخارج إلا أن كلا منهما مغاير للآخر بحسب وجوده الضعيف الاعتباري، إذ من البين أن انتزاع العقل لشئ من شئ يتفرع على نحو وجود لذلك الشئ في المنتزع منه، وإلا لكان الانتزاع بمحض التعمل من غير أن يكون له حقيقة أصلا.
ومن البين أيضا أن ذلك الوجود ليس عين وجود المنتزع منه بملاحظة ذاته بل هو من توابعه ولواحقه. فإذا تقرر ذلك ظهر أن اتحاد منشأ انتزاع الأمرين لا يقضي باتحادهما بحسب الوجود الخارجي ليكون وجود منشأ انتزاعهما عين وجود الأمرين المذكورين في الخارج.
نعم غاية الأمر: أن يكون وجودهما تابعا لوجوده فإذا كان هناك شيئان موجودان في الخارج ولو بحسب الوجود الضعيف فأي مانع من قيام الضدين بهما نظرا إلى تغاير محلهما، أقصى الأمر توقف وجودهما على وجود ما ينتزع منه ولا ربط له بلزوم المانع المذكور. نعم يتم الكلام المذكور على قول من يرى عدم وجود الأمور الاعتبارية في الخارج أصلا ويجعل وجودها في الخارج بمعنى وجود ما ينتزع منه، فيرجع التكليف بإيجادها عنده إلى التكليف بإيجاد ما ينتزع منه وحينئذ يتم المدعى.