إذ قد عرفت أن الاجتهاد في ظاهر اصطلاحهم اسم لاستفراغ الوسع في تحصيل الأحكام الشرعية على وجه يعتد به في الشريعة، فحينئذ فالخلاف في حجية ظن المتجزي يرجع إلى الخلاف في قبول الاجتهاد بالمعنى المذكور للتجزي، فيلزم القائل بعدم حجيته أن لا يسمي ذلك اجتهادا كما يلزم القائل بحجيته إدراجه في الاجتهاد. وحينئذ فذهاب المعظم إلى جواز التجزي ومخالفة آخرين ليس مبنيا على البحث اللفظي. وليس القائل بالمنع من التجزي قائلا بعدم إمكان حصول الظن لغير المجتهد المطلق، والقول به كما يظهر من بعض كلماتهم سخيف، إن صح وجود القائل به فهو لشذوذ منهم، لا يتجه إسناده إلى الأفاضل فلا تغفل هذا. وحيث علمت أن المتيقن من موضوع التجزي هو التجزئة بحسب كل من القوة والفعلية فلنفرض المسألة في تلك الصورة، ثم نتبعها بالكلام في باقي الوجوه المذكورة.
فنقول: إن في المسألة قولان معروفان (1) أحدهما: القول بالتجزي وعزي إلى أكثر الأصوليين. وفي الوافية: أن الأكثر على أنه يقبل التجزئة، وقد اختاره جماعة من علمائنا منهم العلامة (رحمه الله) في عدة من كتبه الأصولية والفقهية، والشهيدان، وشيخنا البهائي ووالده، وجماعة من المتأخرين، بل استظهر بعضهم اتفاق أصحابنا الامامية عليه، وعلى تقدير منعه فلا أقل من الشهرة العظيمة التي لا يعد معها في دعوى شذوذ المخالف، واختاره أيضا جماعة من العامة منهم: الغزالي، والرازي، والتفتازاني، ويظهر القول به من الآمدي.
وثانيهما: المنع منه وحكى القول به عن قوم، وعزاه بعضهم إلى أكثر العامة، واختاره بعض مشايخنا المحققين. ويظهر من جماعة التوقف في ذلك منهم:
الحاجبي والعضدي من العامة، وفخر المحققين والسيد عميد الدين من الخاصة، حيث ذكروا احتجاج الطرفين ولم يرجحوا شيئا من القولين.