لنا: أن السيد إذا قال لعبده: " لا تضرب أحدا " فهم من اللفظ العموم عرفا، حتى لو ضرب واحدا عد مخالفا. والتبادر دليل الحقيقة، فيكون كذلك لغة، لأصالة عدم النقل، كما مر مرارا. فالنكرة في سياق النفي للعموم لا غير، حقيقة، وهو المطلوب.
وأيضا، لو كان نحو: " كل " و " جميع " من الألفاظ المدعى عمومها، مشتركة بين العموم والخصوص، لكان قول القائل: " رأيت الناس كلهم أجمعين " مؤكدا للاشتباه، وذلك باطل بيان الملازمة: أن " كلا " و " أجمعين " مشتركة عند القائل باشتراك الصيغ، واللفظ الدال على شئ يتأكد بتكريره، فيلزم أن يكون الالتباس متأكدا عند التكرير. واما بطلان اللازم، فلأنا نعلم ضرورة أن مقاصد أهل اللغة في ذلك تكثير الإيضاح وإزالة الاشتباه.
احتج القائلون بالاشتراك بوجهين.
الأول: أن الألفاظ التي يدعى وضعها للعموم تستعمل فيه تارة وفي الخصوص أخرى. بل استعمالها في الخصوص أكثر، وظاهر استعمال اللفظ في شيئين أنه حقيقة فيهما. وقد سبق مثله.
الثاني: أنها لو كانت للعموم، لعلم ذلك إما بالعقل، وهو محال، إذ لا مجال للعقل بمجرده في الوضع، وإما بالنقل، والآحاد منه لا تفيد اليقين. ولو كان متواترا لاستوى الكل فيه.
والجواب عن الأول: أن مطلق الاستعمال أعم من الحقيقة والمجاز، والعموم هو المتبادر عند الإطلاق. وذلك آية الحقيقة، فيكون في الخصوص مجازا، إذ هو خير من الاشتراك حيث لا دليل عليه.
وعن الثاني: منع الحصر فيما ذكر من الأوجه، فان تبادر المعنى