فساد تلك البيوع، لا أن الإتيان بها من المحرمات في الشريعة بحسب ذاتها مع قطع النظر عن حصول التفريع بها كما هو قضية ظاهر النهي مضافا إلى أن التفريع غير حاصل في جميع الصور.
الثاني: أن العلماء خلفا عن سلف لم يزالوا يستدلون بالنواهي على الفساد ويستندون إليها في أبواب البيوع والأنكحة وغيرهما من مباحث المعاملات إذا تعلق النهي بها على أحد الوجوه المذكورة، يظهر ذلك من ملاحظة كتب الاستدلال في المباحث المتفرقة دون ما إذا تعلق النهي بذاتها لأمر خارج عنها كالنهي عن البيع وعن النكاح في المكان المغصوب أو الذبح المتعلق بالحيوان المغصوب أو الآلة المغصوبة أو في المكان المغصوب ونحو ذلك فلم يحكموا بالفساد في شئ منها، وأورد على ذلك بوجوه:
أحدها: أنه لا حجة في أقوال العلماء ما لم يصل إلى حد الاجماع، ودعوى وصوله في المقام إلى ذلك في حيز المنع بل الظاهر خلافه، حيث إن الخلاف والتشاجر في المسألة من الأمور الظاهرة الجلية.
ثانيها: أن احتجاج العلماء بالنواهي على الفساد في أبواب المعاملات معارض بتصريحهم بعدم دلالة النهي على الفساد حيث اشتهر في ألسنتهم عدم دلالة النهي في المعاملات على الفساد، وإذا كان الحال على ذلك لم يصح الحكم بدلالتها على الفساد بمجرد حكمهم بفساد عدة من المعاملات التي ورد النهي عنها، إذ قد يكون ذلك من جهة قيام ضرورة أو إجماع أو دليل آخر على الفساد ليصح به الجمع بين الأمرين المذكورين.
ثالثها: أنه قد يكون استناد الفقهاء في حكمهم بفساد المعاملات المفروضة إلى الأصل بعد انحصار دليل الصحة فيما دل على حل نوع تلك المعاملة أو الأمر بإيقاعها ونحوهما، إذ بعد النهي عن خصوص بعض أقسامها لا يندرج ذلك فيما يفيد الصحة لثبوت المنع منه، وقضية الأصل حينئذ هو الحكم بالفساد فلا يفيد ذلك دلالة النهي على الفساد كما هو المدعى.