الحال في المقام، والعلم العادي بعد وقوع الأهم منه كما هو حاصل في كثير من الأحيان كاشف عن عدمه فيتعلق الوجوب حينئذ بغير الأهم ويصح الإتيان به.
فإن قلت: إنه يرد حينئذ لزوم المفسدة المذكورة بالنسبة إلى فعل غير الأهم من جهة إلزام المكلف حينئذ بفعله وإلزامه بتركه أيضا، لكونه مانعا من فعل الأهم الواجب عليه حينئذ أيضا، ضرورة عدم سقوط التكليف به بالبناء على عصيانه وعلم المكلف بعدم إتيانه به وهو عين المفسدة المترتبة على اجتماع الأمر والنهي - حسب ما مر - فلا فائدة فيما ذكر من ترتب التكليفين في تصحيح ذلك.
قلت: إنه قد يدفع ذلك بأن ترك غير الأهم إنما يجب من حيث كونه مقدمة لفعل الأهم، وقضية ذلك وجوب خصوص الترك الموصل إلى فعل الأهم دون غيره - حسب ما مر في بحث المقدمة من الإشارة إلى ما قد يتراءى من أن الواجب منها خصوص المقدمة الموصلة دون غيرها - والواجب بمقتضى التكليف الثانوي - على حسب ما فرض - هو الفعل الغير الموصل تركه إلى الأهم حيث كان وجوبه مبنيا على ترك الأهم فلا يكون فعل شئ واحد وتركه واجبين معا ليلزم المحذور، بل الترك الواجب هو ما يوصل إلى فعل الأهم والترك الحرام هو ما لا يوصل إليه، وهما شيئان مختلفان لا اتحاد بينهما حتى يلزم من ذلك التدافع بين الطلبين المذكورين، فالواجب فعل والمحرم فعل آخر. وقد مرت الإشارة إلى ذلك في بحث اقتضاء الأمر بالشئ للنهي عن ضده.
وفيه: ما عرفت في ذيل بحث مقدمة الواجب من أن تنويع الفعل إلى النوعين وكون المقدمة الواجبة هو خصوص الفعل الموصل دون غيره غير متجه، بل المقدمة الواجبة ما يتوقف عليه فعل الواجب سواء تحقق به الإيصال أو لم يتحقق.
غاية الأمر: أنه مع عدم حصول الإيصال به قد ترك نفس الواجب دون المقدمة المفروضة فلا يكون ترك المقدمة المفروضة مع بنائه على ترك الواجب جائزا غير ممنوع منه عند الآمر ليمكن تعلق الأمر به منه، لوضوح كون ذي المقدمة حين البناء المذكور ممنوعا من تركه إذ لا يقضي البناء على العصيان