قلت: لا ريب أن المنع من الترك والفعل متضادان لا يمكن اجتماعهما في فعل واحد وإن كان من جهتين إلا على طريق الشأنية - بمعنى اجتماع جهتي الحكمين - وحصول تينك الجهتين قاض بترجيح أحدهما فيثبت الحكم التابع لها دون الآخر، أو التخيير بينهما فيرتفعان معا، ويتخير المكلف في العمل، وظاهر أنه لا يمكن حصول المنع من ترك فعل والمنع من فعله معا بحسب الواقع، كيف وهو تكليف بالمحال لا يمكن القول به عند العدلية، وكذا الحال في رجحان الفعل على الترك مع المنع من النقيض ورجحان الترك على الفعل مع عدم المنع من الفعل وكذا عكسه، إذ مع حصول المنع من الفعل أو الترك يتعين الحكم بالوجوب أو التحريم، فلا يعقل الحكم الندبي والكراهة، إذ لا يجامع المنع من الفعل أو الترك بحسب الواقع عدم حصوله، للزوم الجمع بين النقيضين وهو واضح.
فغاية الأمر هناك أيضا جواز اجتماع الجهتين دون الحكمين - حسب ما مر - وأما رجحان الفعل على الترك من دون حصول المنع من الترك ورجحان الترك على الفعل كذلك بحسب الواقع من جهتين فلا مانع منه، إذ لا مانع من القول برجحان فعل على تركه واقعا من جهة ورجحان تركه على فعله كذلك من جهة أخرى، وإنما يستحيل حصول الأمرين من جهة واحدة.
فإن قلت: إن لوحظ ثبوت الحكمين على نحو القضية الطبيعية بأن يثبت الحكمان للجهتين ويكون حصولهما للفرد بملاحظة الجهة من دون ثبوتها للفرد بحسب الواقع فذلك مما لا مانع منه في المقام وغيره من الصور المتقدمة، لما عرفت من جواز اجتماع جهتي الوجوب والتحريم وغيرهما وذلك غير اجتماع الحكمين. وإن لوحظ ثبوتهما بحسب الواقع على نحو القضية المحصورة فمن الظاهر امتناعه، فكما لا يمكن اتصاف الفرد واقعا بالوجوب والتحريم، كذا لا يمكن اتصافه بالاستحباب والكراهة واقعا، إذ كما يثبت التضاد بين المنع من الترك والمنع من الفعل، فكذا يثبت بين رجحان الفعل على الترك ومرجوحيته بالنسبة إليه وإن خليا عن المنع من الخلاف.